قوله تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما حث سبحانه وتعالى على وجوه الخير ورغب في لزوم الهدى وكان أكثرهم معرضين،
لأن ما دعا إليه هادم لما جبلوا عليه من الحب لتوفير المال والحفيظة على النفس،
وكان ﷺ شديد الأسف عليهم دائم القلق من أجلهم لعظيم رحمته لهم وشفقته عليهم،
فكان يجد من تقاعدهم عما يدعوهم إليه من هذه الحالة العلية التي هي حكمة الله التي رأسها الإيمان بالله واشتراء الآخرة بكلية الدنيا وجداً شديداً،
خفض سبحانه وتعالى عليه الأمر وخفف عليه الحال فقال :﴿ليس عليك﴾ أي عندك ﴿هداهم﴾ حتى تكون قادراً عليه،
فما عليك إلا البلاغ،
وأما خلق الهداية لهم فليس عليك ولا تقدر عليه ﴿ولكن الله﴾ الذي لا كفوء له هو القادر على ذلك وحده فهو ﴿يهدي من يشاء﴾ فظهر من هذا أنه يتعين أن يكون عليك بمعنى عندك ومعك ونحو ذلك،
لأن لكن للاستدراك وهو أن يكون حكم ما بعدها مخالفاً لما قبلها وكلام أهل اللغة يساعد على ذلك،
قال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : في حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما : كنت أضحي بالجذع وعلينا ألف شاة،
معناه : وعندنا ألف شاة،
تقول العرب : علينا كذا وكذا،
أي مننا - فسره قاسم ؛ انتهى.
وهو يرجع إلى القدرة كما تقول : عليّ رضى فلان،
أي أنا مطيق لذلك قادر على حمله،
فالمعنى : لست تقدر على إيجاد الاهتداء فيهم أصلاً وإنما ذلك إلى الله سبحانه وتعالى فهو يهدي من يشاء فيفعل ما يقدره سبحانه له من وجوه الهدى من نفقة وغيرها.


الصفحة التالية
Icon