قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قرر سبحانه بقصة موسى عليه السلام ما أشار إليه أول السورة بما هو عليه من الحلم والتأني على عباده، والإمهال لهم فيما هم عليه من النقص بالنسيان للعهود والنقض للمواثيق، وأتبعها ذكر مدح هذا الذكر الذي تأدت إلينا به، وذم من أعرض عنه، وختمه بما عهد إليه ـ ﷺ ـ في أمره نهياً وأمراً، أتبع ذلك سبحانه قصة آدم عليه السلام تحذيراً من الركون إلى ما يسبب النسيان، وحثاً على رجوع من نسي إلى طاعة الرحمن، وبياناً لأن ذلك الذي قرره من حلمه وإمهاله عادته سبحانه من القدم، وصفته التي كانت ونحن في حيز العدم، وأنه جبل الإنسان على النقص، فلو أخذهم بذنوبهم ما ترك عليها من دابة، فقال عاطفاً على قوله ﴿وكذلك أنزلناه حكماً عربياً﴾ [ الرعد : ٣٧ ] أو ﴿كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق﴾ مؤكداً لما تقدم فيه وعهد به من أمر القرآن، ومحذراً من الإخلال بذلك ولو على وجه النسيان، ومنجزاً لما وعد به من قص أنباء المتقدمين مما يوافق هذا السياق :﴿ولقد عهدنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿إلى آدم﴾ أبي البشر الذي أطلعناه على كثير منها في النهي عن الأكل من الشجرة ﴿من قبل﴾ أي في زمن من الأزمان الماضية قبل هؤلاء الذين تقدم في هذه السورة ذكر نسيانهم وإعراضهم ﴿فنسي﴾ عهدنا وأكل منها مع علمه من تلك العظمة بما لا ينبغي أن ينسى معه ذلك العهد المؤكد بذلك الجلال، فعددنا عليه وقوعه في ذلك المنهيّ ناسياً ذنباً لعلو رتبته عندنا، فهو من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين " فكيف بما فوق ذلك! ﴿ولم نجد﴾ بالنظر إلى ما لنا من العظمة ﴿له عزماً﴾ أي قصداً صلباً ماضياً وإرادة نافذة لا تردد فيها كإرادات الملائكة عليهم السلام، والمعنى أنه لم يتعلق علمنا بذلك موجوداً، ومع ذلك عفونا عنه ولم نزحزحه عن رتبة الاصطفاء.


الصفحة التالية
Icon