قوله تعالى ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان للتعميم بعد التخصيص والتفصيل بعد الإجمال من الموقع في النفوس ما لا يخفى، وكان النهي عن الإفساد بالصد عن سبيل الله هو المقصود بالذات لأنه ينهى عن كل فساد، خصه بالذكر إشارة إلى أنه زبدة المراد بعد التعميم فقال :﴿ولا تقعدوا﴾ أي تفعلوا فعل المترصد المقبل بكليته ﴿بكل صراط﴾ أي طريق من طرق الدنيا والدين من الحلال والحرام والأوامر والنواهي والمحكم والمتشابه والأمثال ﴿توعدون﴾ أي تتهددون من يسلكه بكل شر إن لم يوافقكم على ما تريدون.
ولما كان طريق الدين أهم، خصه بالذكر فقال :﴿وتصدون﴾ أي توقعون الصد على سبيل الاستمرار ﴿عن سبيل الله﴾ أي طريق من له الأمر كله ؛ ولما ذكر الصدود عنه، ذكر المصدود فقال :﴿من آمن به﴾ آي بالله فسلك سبيله التي لا أقوم منها ؛ ولما كانوا لا يقنعون بمطلق الصد بالتهديد ونحوه، بل يبدون للمصدود شبهاً توهمه أنه على ضلال، قال عاطفاً :﴿وتبغونها عوجاً﴾ أي وتطلبون السبيل حال كونها ذات عوج، أي تطلبون اعوجاجها بإلقاء الشبهات والشكوك كما تقول : أريد فلاناً ملكاً، أي أريد ملكه، وقد تقدم في آل عمران أن نصبه على الحال أرجح، وأن قوله ﷺ في الصحيح " ابغني أحجاراً أستنفض بها " يرجح نصبه على المفعولية - والله اعلم.