قوله تعالى ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انقضى جوابه عليه الصلاة والسلام على هذا الوجه الجليل، تشوف السامع إلى جواب الله له، فقال تعالى مشيراً إلى كون جوابه حقاً ومضمونه صدقاً، منبهاً على مدحه حاثاً على ما بنيت عليه السورة من الوفاء بالعقود :﴿قال الله﴾ أي الملك المحيط بالجلال والإكرام جواباً لكلامه ﴿هذا﴾ أي مجموع يوم القيامة ؛ ولما كان ظهور الجزاء النافع هو المقصود قال :﴿يوم﴾ هذا على قراءة الجماعة بالرفع، وقراءة نافع بالنصب غير منون أيضاً لإضافته إلى متمكن بمعنى : هذا الذي ذكر واقع ؛ أو قال الله هذا الذي تقدم يوم ﴿ينفع الصادقين﴾ أي العريقين في هذا الوصف نفعاً لا يضرهم معه شيء ﴿صدقهم﴾ أي الذي كان لهم في الدنيا وصفاً ثابتاً، فحداهم على الوفاء بما عاهدوا عليه، فكأنه قيل : ينفعهم بأيّ شيء؟ فقال :﴿لهم جنات﴾ أي هي من ريّ الأرض الذي يستلزم زكاء الشجر وطيب الثمر بحيث ﴿تجري﴾ ولما كان تفرق المياه في الأراضي أبهج، بعض فقال :﴿من تحتها الأنهار﴾ ولما كان مثل هذا لا يريح إلا إذا دام قال :﴿خالدين فيها﴾ وأكد معنى ذلك بقوله :﴿أبداً ﴾.
ولما كان ذلك لا يتم إلا برضى المالك قال :﴿رضي الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿عنهم﴾ أي بجميع ما له من الصفات، وهو كناية عن أنه أثابهم بما يكون من الراضي ثواباً متنوعاً بتنوع ما له من جميع صفات الكمال والجمال ؛ ولما كان ذلك لا يكمل ويبسط ويجمل إلا برضاهم قال :﴿ورضوا عنه﴾ يعني أنه لم يدع لهم شهوة إلا أنالهم إياها، وقال ابن الزبير بعدما أسلفته عنه : فلما طلب تعالى المؤمنين بالوفاء فيما نقض به غيرهم، وذكّرهم ببعض ما وقع فيه النقض وما أعقب ذلك فاعله، وأعلمهم بثمرة التزام التسليم والامتثال، أراهم جل وتعالى ثمرة الوفاء وعاقبته، فقال تعالى ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس﴾ [ المائدة : ١١٦ ] إلى قوله - ﴿هذا يوم ينفع الصادقين﴾ - إلى آخرها.


الصفحة التالية
Icon