فيحصل من جملتها الأمر بالوفاء فيما تقدمها وحالُ من حاد ونقض، وعاقبة من وفى، وأنهم الصادقون، وقد أمرنا أن نكون معهم ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ [ التوبة : ١١٩ ] - انتهى.
ولما كان سبحانه قد أمرهم أول السورة بالوفاء شكراً على ما أحل لهم في دنياهم، ثم أخبر أنه زاد الشاكرين منهم ورقاهم إلى أن أباحهم أجلّ النفائس في أخراهم، ووصف سبحانه هذا الذي أباحه لهم إلى أن بلغ في وصفه ما لا مزيد عليه، أخذ يغبطهم به فقال :﴿ذلك﴾ أي الأمر العالي لا غيره ﴿الفوز العظيم ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٧٦ ـ ٥٧٧﴾

فصل


قال الفخر :
أجمعوا على أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة، والمعنى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم في القيامة، والدليل على أن المراد ما ذكرنا : أن صدق الكفار في القيامة لا ينفعهم، ألا ترى أن إبليس قال :﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] فلم ينفعه هذا الصدق، وهذا الكلام تصديق من الله تعالى لعيسى في قوله ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ﴾ [ المائدة : ١١٧ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١٤﴾
وقال الماوردى :
قوله تعالى :﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ يعني يوم القيامة، وإنما نفعهم الصدق في ذلك اليوم لوقوع الجزاء فيه وإن كان في كلِّ الأيام نافعاً، وفي هذا الصدق قولان :
أحدهما : أن صدقهم الذي كان منهم في الدنيا نفعهم في الآخرة جُوزُوا عليه من الثواب، فعلى هذا المراد بهذا الصدق وجهان محتملان :
أحدهما : أنه صدقهم في عهودهم.
والثاني : أنه تصديقهم لرسل الله وكتبه.
والقول الثاني : أنه صدق يكون منهم في الآخرة ينفعهم لقيامهم فيه بحق الله.
فعلى هذا في المراد بهذا الصدق وجهان محتملان :
أحدهما : أنه صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ.


الصفحة التالية
Icon