قوله تعالى ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان قد حكم عليه بالشقاء، قابل نعمة الإمهال وإطالة العمر بالتمادي في الكفر وأخبره عن نفسه بذلك بأن ﴿قال﴾ مسبباً عن إيقاعه في المعصية بسبب نوع الآدميين ﴿فبما أغويتني﴾ أي فبسبب إغوائك لي، وهو إيجاد الغي واعتقاد الباطل في قلبي من أجلهم والله ﴿لأقعدن لهم﴾ أي أفعل في قطعهم عن الخير فعل المتمكن المقبل بكليته المتأني الذي لا شغل له غير ما أقبل عليه في مدة إمهالك لي بقطعهم عنك بمنعهم من فعل ما أمرتهم به، وحملهم على فعل ما نهيتهم عنه، كما يقعد قاطع الطريق على السابلة للخطف ﴿صراطك﴾ أي في جميع صراطك، بما دل عليه نزع الخافض ﴿المستقيم﴾ وهو الإسلام بجميع شعبه، ومن أسند الإغواء إلى غير الله بسبب اعتقاده أن ذلك مما ينزه الله عنه، فقد وقع في شر مما فر منه، وهو أنه جعل في الوجود فاعلين يخالف اختيار أحدهما اختيار الآخر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٤﴾

فصل


قال الفخر :
قول إبليس :﴿فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ يدل على أنه أضاف إغواءه إلى الله تعالى، وقوله في آية أخرى :﴿فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ ص : ٨٢ ] يدل على أنه أضاف إغواء العباد إلى نفسه.
فالأول : يدل على كونه على مذهب الجبر.
والثاني : يدل على كونه على مذهب القدر، وهذا يدل على أنه كان متحيراً في هذه المسألة، أو يقال : أنه كان يعتقد أن الإغوار لا يحصل إلا بالمغوي فجعل نفسه مغوياً لغيره من الغاوين، ثم زعم أن المغوي له هو الله تعالى قطعاً للتسلسل، واختلف الناس في تفسير هذه الكلمة، أما أصحابنا فقالوا : الإغواء إيقاع الغي في القلب، والغي هو الاعتقاد الباطل وذلك يدل على أنه كان يعتقد أن الحق والباطل إنما يقع في القلب من الله تعالى.
أما المعتزلة فلهم ههنا مقامان : أحدهما : أن يفسروا الغي بما ذكرناه.
والثاني : أن يذكروا في تفسيره وجهاً آخر.
أما الوجه الأول : فلهم فيه أعذار.
الأول : أن قالوا هذا قول إبليس فهب أن إبليس اعتقد أن خالق الغي والجهل والكفر هو الله تعالى، إلا أن قوله ليس بحجة.
الثاني : قالوا : إن الله تعالى لما أمر بالسجود لآدم فعند ذلك ظهر غيه وكفره فجاز أن يضيف ذلك الغي إلى الله تعالى بهذا المعنى، وقد يقول القائل : لا تحملني على ضربك أي لا تفعل ما أضر بك عنده.
الثالث :﴿فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ والمعنى : إنك بما لعنتني بسبب آدم فأنا لأجل هذه العداوة ألقى الوساوس في قلوبهم.
الرابع :﴿رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ [ الحجر : ٣٩ ] أي خيبتني من جنتك عقوبة على عملي لأقعدن لهم.


الصفحة التالية
Icon