الوجه الثاني : في تفسير الإغواء الإهلاك ومنه قوله تعالى :﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ [ مريم : ٥٩ ] أي هلاكاً وويلاً، ومنه أيضاً قولهم : غوى الفصيل يغوي غوى إذا أكثر من اللبن حتى يفسد جوفه، ويشارف الهلاك والعطب، وفسروا قوله :﴿إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾ [ هود : ٣٤ ] إن كان الله يريد أن يهلككم بعنادكم الحق، فهذه جملة الوجوه المذكورة.
واعلم أنا لا نبالغ في بيان أن المراد من الإغواء في هذه الآية الإضلال، لأن حاصله يرجع إلى قول إبليس وأنه ليس بحجة، إلا أنا نقيم البرهان اليقيني على أن المغوي لإبليس هو الله تعالى، وذلك لأن الغاوي لا بد له من مغو، كما أن المتحرك لا بد له من محرك، والساكن لا بد له من مسكن، والمهتدي لا بد له من هاد.
فلما كان إبليس غاوياً فلا بد له من مغوي، والمغوي له إما أن يكون نفسه أو مخلوقاً آخر أو الله تعالى، والأول : باطل.
لأن العاقل لا يختار الغواية مع العلم بكونها غواية.
والثاني : باطل وإلا لزم إما التسلسل وإما الدور.
والثالث : هو المقصود. والله أعلم.
فائدة :
الباء في قوله :﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى﴾ فيه وجوه :
الأول : إنه باء القسم أي بإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي، بقدرتك علي ونفاذ سلطانك في لأقعدن لهم على الطريق المستقيم الذي يسلكونه إلى الجنة، بأن أزين لهم الباطل، وما يكسبهم المآثم، ولما كانت ( الباء ) باء القسم كانت ( اللام ) جواب القسم ( وَمَا ) بتأويل المصدر و﴿أَغْوَيْتَنِى﴾ صلتها.
والثاني : أن قوله :﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى﴾ أي فبسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم، والمراد إنك لما أغويتني فأنا أيضاً أسعى في إغوائهم.