الثالث : قال بعضهم :( مَا ) في قوله :﴿فَيمَا أَغْوَيْتَنِى﴾ للاستفهام كأنه قيل : بأي شيء أغويتني ثم ابتدأ وقال :﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ وفيه إشكال، وهو أن إثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على "ما" الاستفهامية قليل.
فائدة :
قوله :﴿لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم﴾ لا خلاف بين النحويين أن "على" محذوف والتقدير : لأقعدن لهم على صراطك المستقيم.
قال الزجاج : مثاله قولك ضرب زيد الظهر والبطن والمعنى على الظهر والبطن وإلقاء كلمة "على" جائز، لأن الصراط ظرف في المعنى : فاحتمل ما يحتمله لليوم والليلة، في قولك آتيك غداً وفي غد.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله :﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم﴾ فيه أبحاث.
البحث الأول : المراد منه أنه يواظب على الإفساد مواظبة لا يفتر عنها، ولهذا المعنى ذكر القعود لأن من أراد أن يبالغ في تكميل أمر من الأمور قعد حتى يصير فارغ البال فيمكنه إتمام المقصود ومواظبته على الإفساد هي مواظبته على الوسوسة حتى لا يفتر عنها.
والبحث الثاني : إن هذه الآية تدل على أنه كان عالماً بالدين الحق والمنهج الصحيح، لأنه قال :﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم﴾ وصراط الله المستقيم هو دينه الحق.
البحث الثالث : الآية تدل على أن إبليس كان عالماً بأن الذي هو عليه من المذهب والاعتقاد هو محض الغواية والضلال، لأنه لو لم يكن كذلك لما قال :﴿فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ وأيضاً كان عالماً بالدين الحق، ولولا ذلك لما قال :﴿لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم ﴾.
وإذا ثبت هذا فكيف يمكن : أن يرضى إبليس بذلك المذهب مع علمه بكونه ضلالاً وغواية وبكونه مضاداً للدين الحق ومنافياً للصراط المستقيم فإن المرء إنما يعتقد الفاسد إذا غلب على ظنه كونه حقاً، فأما مع العلم بأنه باطل وضلال وغواية يستحيل أن يختاره ويرضى به ويعتقده.