قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أفهم هذا القضاء الحتم أنه قد صار حالهم حال من حتم بالموت، فلا يمكن إسماعه إلا الله، ولا يمكن أن يستجيب عادة، قال :﴿إنما يستجيب﴾ أي في مجاري عاداتكم ﴿الذين يسمعون﴾ أي فيهم قابلية السمع لأنهم أحياء فيتدبرون حينئذ ما يلقى إليهم فينتفعون به، وهؤلاء قد ساووا الموتى في عدم قابلية السماع للختم على مشاعرهم ﴿والموتى﴾ أي كلهم حساً ومعنى ﴿يبعثهم الله﴾ أي الملك المحيط علماً وقدرة، فهو قادر على بعثهم بإفاضة الإيمان على الكافر وإعادة الروح إلى الهالك فيسمعون حينئذ، فالآية من الاحتباك : حذف من الأول الحياة لدلالة ﴿الموتى﴾ عليها، ومن الثاني السماع لدلالة ﴿يسمعون﴾ عليه.
ولما قرر أن من لا يؤمن كالميت، حثاً على الإيمان وترغيباً فيه، وقدر قدرته على البعث، خوَّفَ من سطواته بقوله :﴿ثم إليه﴾ أي وحده ﴿يرجعون﴾ أي معنى في الدنيا فإنه قادر على كل ما يشاء منهم، لا يخرج شيء من أحوالهم عن مراده أصلاً وحساً بعد الموت، فيساقون قهراً إلى موقف يفصل فيه بين كل مظلوم وظالمه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٣٠﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى بيّن السبب في كونهم بحيث لا يقبلون الإيمان ولا يتركون الكفر فقال :﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ﴾ يعني أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع، كقوله ﴿إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى﴾ [ النمل : ٨٠ ] قال علي بن عيسى : الفرق بين يستجيب ويجيب، أن يستجيب في قبوله لما دعيَ إليه، وليس كذلك يجيب لأنه قد يجيب بالمخالفة كقول القائل : أتوافق في هذا المذهب أم تخالف ؟ فيقول المجيب : أخالف.


الصفحة التالية
Icon