قوله تعالى ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما وبخهم سبحانه وتعالى على جهلهم، حذر من مناصرتهم فقال مبنياً أنها لا تجديهم شيئاً، مخوفاً لهم جداً بالمواجهة بمثل هذا التنبيه والخطاب ثم الإشارة بعد :﴿هاأنتم هؤلاء﴾ وزاد في الترهيب للتعيين بما هو من الجدل الذي هو أشد الخصومة - من جدل الحبل الذي هو شدة فتله - وإظهاره في صيغة المفاعلة، فقال مبيناً لأن المراد من الجملة السابقة التهديد :﴿جادلتم عنهم﴾ في هذه الواقعة أو غيرها ﴿في الحياة الدنيا﴾ أي بما جعل لكم من الأسباب.
ولما حذرهم وبخهم على قلة فطنتهم وزيادة في التحذير بأن مجادلتهم هذه سبب لوقوع الحكومة بين يديه سبحانه وتعالى فقال :﴿فمن يجادل الله﴾ أي الذي له الجلال كله ﴿عنهم﴾ أي حين تنقطع الأسباب ﴿يوم القيامة﴾ ولا يفترق الحال في هذا بين أن تكون " ها " من ﴿ها أنتم﴾ للتنبيه أو بدلاً عن همزة استفهام - على ما تقدم، فإن معنى الإنكار هنا واضح على كلا الأمرين.
ولما كان من أعظم المحاسن كف الإنسان عما لا علم له به، عطف على الجملة من أولها من غير تقييد بيوم القيامة منبهاً على قبح المجادلة عنهم بقصور علم الخلائق قوله :﴿أم من يكون﴾ أي فيما يأتي من الزمان ﴿عليهم وكيلاً﴾ أي يعلم منهم ما يعلم الله سبحانه وتعالى بأن يحصي أعمالهم فلا يغيب عنه منها شيء ليجادل الله عنهم، فيثبت لهم ما فارقوه، وينفي عنهم ما لم يلابسوه ويرعاهم ويحفظهم مما يأتيهم به القدر من الضرر والكدر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣١٤﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى :﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاء جادلتم عَنْهُمْ فِى الحياة الدنيا فَمَن يجادل الله عَنْهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ ﴿ها﴾ للتنبيه في ﴿ها أنتم﴾ و ﴿هَؤُلاء﴾ وهما مبتدأ وخبر ﴿جادلتم﴾ جملة مبينة لوقوع ﴿أُوْلاء﴾ خبراً، كما تقول لبعض الأسخياء : أنت حاتم تجود بما لك وتؤثر على نفسك، ويجوز أن يكون ﴿أولاء﴾ اسماً موصولاً بمعنى الذي و ﴿جادلتم﴾ صلة، وأما الجدال فهو في اللغة عبارة عن شدة المخاصمة، وجدل الحبل شدة فتلة، ورجل مجدول كأنه فتل، والأجدل الصقر لأنه من أشد الطيور قوة.
هذا قول الزجاج.
وقال غيره : سميت المخاصمة جدالاً لأن كل واحد من الخصمين يريد ميل صاحبه عما هو عليه وصرفه عن رأيه.


الصفحة التالية
Icon