قوله تعالى ﴿ رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
لما خاطبوا الرسول أدباً ترقوا إلى المرسل في خطابهم إعظاماً للأمر وزيادة في التأكيد فقالوا مسقطين لأداة النداء استحضاراً لعظمته بالقرب لمزيد القدرة وترجي منزلة أهل الحب :﴿ربنا آمنا بما أنزلت﴾ أي على ألسنة رسلك كلهم ﴿واتبعنا الرسول﴾ الآتي إلينا بذلك معتقدين رسالته منك وعبوديته لك ﴿فاكتبنا﴾ لتقبّلك شهادتنا واعتدادك بها ﴿مع الشاهدين﴾ أي الذين قدمت أنهم شهدوا لك بالوحدانية مع الملائكة أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٩٧﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنهم لما أشهدوا عيسى عليه السلام على إيمانهم، وعلى إسلامهم تضرعوا إلى الله تعالى، وقالوا :﴿رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ واتبعنا الرسول فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ وذلك لأن القوم آمنوا بالله حين قالوا : في الآية المتقدمة ﴿آمنا بالله﴾ ثم آمنوا بكتب الله تعالى حيث قالوا ﴿بِمَا أَنزَلَتْ﴾ وآمنوا برسول الله حيث، قالوا ﴿واتبعنا الرسول﴾ فعند ذلك طلبوا الزلفة والثواب، فقالوا ﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ وهذا يقتضي أن يكون للشاهدين فضل يزيد على فضل الحواريين، ويفضل على درجته، لأنهم هم المخصوصون بأداء الشهادة قال الله تعالى :﴿وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] الثاني : وهو منقول أيضاً عن ابن عباس ﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ أي اكتبنا في زمرة الأنبياء لأن كل نبي شاهد لقومه قال الله تعالى :﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين﴾ [ الأعراف : ٦ ].
وقد أجاب الله تعالى دعاءهم وجعلهم أنبياء ورسلاً، فأحيوا الموتى، وصنعوا كل ما صنع عيسى عليه السلام.