قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٣٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان ترك هذه الأوصاف الثلاثة : التقوى وطلب الوسيلة والجهاد مزيلاً للوصف الأول وهو الإيمان، ناسب كل المناسبة تحذيراً من تركها ذكرُ حال الكفار وأنه لا تنفعهم وسيلة في تلك الدار فقال معللاً لما قبله :﴿إن الذين كفروا﴾ أي بترك ما في الآية السابقة، ورتب الجزاء عن الماضي زيادة في التحذير ﴿لو أن لهم ما في الأرض﴾ وأكد ما أفهمه الكلام من استغراق الظرف والمظروف فقال :﴿جميعاً﴾ أي مما كان يطلب منهم شيء يسير جداً منه، وهو الإذعان بتصديق الجنان إنفاق الفضل من المال، وزاد الأمر هولاً بقوله :﴿ومثله﴾ ولما كان لدفع الفداء جملة ما ليس له مفرَّقاً قال ﴿معه ﴾.
ولما كان المقصود تحقير ذلك بالنسبة إلى عظمة يوم التغابن وإن كان عند الكفار الذين جعلوا غاية أمرهم الحياة الدنيا أعظم ما يكون، والإفهام بأن المراد بالمثل الجنس ليشمل ما عساه أن يفرض من الأمثال، أعاد الضمير على هذين الشيئين على كثرتهما وعظمتهما مفرداً، فقال معبراً بالمضارع الدال على تجديد الرغبة في المسألة على سبيل الاستمرار ولأن السياق للمتصفين بالكفر والمحاربة لله ولرسوله ﷺ والسعي في الأرض بالفساد، ولذلك صرح بنفي القبول على الهيئة الآتية :﴿ليفتدوا به﴾ أي يجددوا الافتداء في كل لحظة، أي بما ذكر ﴿من عذاب يوم القيامة ﴾.
ولما كان المراد تهويل الأمر بردّه، وكان ذلك يحصل بغير تعيين الرادّ، قال :﴿ما تقبل منهم﴾ بالبناء للمفعول، أي على حالة من الحالات وعلى يد من كان، لأن المدفوع إليه ذلك تام القدرة وله الغنى المطلق.