قوله تعالى ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا منه موجباً ولا بد لكل سامع منصف من المبادرة إلى الإذعان لهذه الحجة القطعية، وهي استحقاقه للإفراد بالعبادة للتفرد بالإنعام، ازداد تشوف المخاطب إلى جوابهم، فأجيب بقوله :﴿قالوا﴾ منكرين عليه معتمدين على محض التقليد ﴿أجئتنا﴾ أي من عند من ادعيت أنك رسوله ﴿لنعبد الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿وحده﴾ ولما كان هذا منهم في غاية العجب المستحق للإنكار، أتبعوه ماهو كالعلة لإنكارهم عليه ما دعاهم إليه فقالوا :﴿ونذر﴾ أي نترك على غير صفة حسنة ﴿ما كان يعبد آباؤنا﴾ أي مواظبين على عبادته بما دلوا عليه ب " كان " وصيغة المضارع - مع الإشارة بها إلى تصوير آبائهم في حالهم ذلك - ليحسن في زعمهم إنكار مخالفتهم لهم.
ولما كان معنى هذا الإنكار أنا لا نعطيك، وكان قد لوح لهم بالتذكر بقوم نوح وقوله ﴿أفلا تتقون﴾ إلى الأخذ إن أصروا، سببوا عن ذلك قولهم :﴿فأتنا﴾ أي عاجلاً ﴿بما تعدنا﴾ أي من العذاب بما لوح إليه إيماؤهم إلى التكذيب بقولهم :﴿إن كنت من الصادقين﴾ وتسميتهم للانذار بالعذاب وعداً من باب الاستهزاء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٥٤﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن هوداً عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدليل القاطع، وذلك لأنه بين أن نعم الله عليهم كثيرة عظيمة، وصريح العقل يدل على أنه ليس للأصنام شيء من النعم على الخلق لأنها جمادات، والجماد لا قدرة له على شيء أصلاً، وظاهر أن العبادة نهاية التعظيم.
ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام وذلك يدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوا الله، وأن لا يعبدوا شيئاً من الأصنام، ومقصود الله تعالى من ذكر أقسام إنعامه على العبيد، هذه الحجة التي ذكرها ثم إن هوداً عليه السلام لما ذكر هذه الحجة اليقينية لم يكن من القوم جواب عن هذه الحجة التي ذكرها إلا التمسك بطريقة التقليد.


الصفحة التالية
Icon