قوله تعالى ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ختم بوصفي العزة والحكمة، سبب عنهما قوله :﴿فمن تاب﴾ أي ندم وأقلع، ودل على كرمه بالقبول في أيّ وقت وقعت التوبة فيه ولو طال زمن المعصية بإثبات الجار فقال :﴿من بعد﴾ وعدل عن أن يقول " سرقته " إلى ﴿ظلمه﴾ تعميماً للحكم في كل ظلم، فشمل ذلك فعل طعمة وما ذكر بعده مما تقدم في النساء وغير ذلك من كل ما يسمى ظلماً ﴿وأصلح﴾ أي أوجد الإصلاح وأوقعه بردّ الظلامة والثبات على الإقلاع ﴿فإن الله﴾ أي بما له من كمال العظمة ﴿يتوب عليه﴾ أي يقبل توبته ويرجع به إلى أتم ما كان عليه قبل الظلم من سقوط عذاب الآخرة دون عقاب الدنيا، رحمة من الله له ورفقاً به وبمن ظلمه وعدلاً بينهما، لا يقدر أحد أن يمنعه من ذلك ولا يحول بينه وبينه لحظة ما ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي له الكمال كله أزلاً وأبداً ﴿غفور رحيم﴾ أي بالغ المغفرة والرحمة، لا مانع له من ذلك ولا من شيء منه ولا من شيء يريد فعله، بل هو فعال لما يريد، والآية معطوفة على آية المحاربين وإنما فصل بينهما بما تقدم لما ذكر من العلة الطالبة لمزيد العناية به. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٥٤﴾
فصل
قال الفخر :
دلّت الآية على أن من تاب فإن الله يقبل توبته،
فإن قيل : قوله ﴿وَأَصْلَحَ﴾ يدل على أن مجرّد التوبة غير مقبول.
قلنا : المراد من قوله ﴿وَأَصْلَحَ﴾ أي يتوب بنية صالحة صادقة وعزيمة صحيحة خالية عن سائر الأغراض. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٢﴾
فائدة
قال الفخر :
إذا تاب قبل القطع تاب الله عليه، وهل يسقط عنه الحد ؟ قال بعض العلماء التابعين : يسقط عنه الحد، لأن ذكر الغفور الرحيم في آخر هذه الآية يدل على سقوط العقوبة عنه، والعقوبة المذكورة في هذه الآية هي الحد، فظاهر الآية يقتضي سقوطها.
وقال الجمهور : لا يسقط عنه هذا الحد، بل يقام عليه على سبيل الامتحان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٢﴾