قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (٣٧) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (٣٨) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (٤٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين أنهم كذبوه وعادوه، وأشار بآية الحشر إلى جهنم إلى أنه لا يهلكهم بعامة، عطف على عامل " لنثبت " تسلية له وتخويفاً لهم قوله :﴿ولقد آتينا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿موسى الكتاب﴾ كما أتيناك، بينا فيه الشرائع والسنن والأحكام، وجعلناه هدى ورحمة، وأنزلناه إليه منجماً في نحو عشرين سنة يقال : إنها ثمان عشرة كما أنزلنا إليك هذا القرآن في نيف وعشرين سنة، كما بينت ذلك في آخر سورة النساء وغيرها، على أن أحداً ممن طالع التوراة لا يقدر على إنكار ذلك، فإنه بيّن من نصوصها.
وزاد في التسلية بذكر الوزير، لأن الرد للاثنين أبعد، وفيه إشارة إلى أنه لا ينفع في إيمانهم إرسال ملك كما اقترحوا ليكون معه نذيراً، فقال :﴿وجعلنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿معه أخاه﴾ ثم بينه بقوله :﴿هارون﴾ وبين محط الجعل بقوله :﴿وزيراً﴾ أي معيناً في كل أمر بعثناه به، وهو مع ذلك نبي، ولا تنافي بين الوزارة والنبوة.
ولما كانت الواو لا ترتب، فلم يلزم من هذا أن يكون هذا الجعل بعد إنزال الكتاب كما هو الواقع، رتب عليه قوله :﴿فقلنا﴾ أي بعد جعلنا له وزيراً.