قوله تعالى ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)﴾

فصل


قال البقاعى
﴿أم﴾ أي ليس لهم نصيب ما من الملك، بل ذلهم لازم وصغارهم أبداً كائن دائم، فهم ﴿يحسدون الناس﴾ أي محمداً ﷺ الذي جمع فضائل الناس كلهم من الأولين والآخرين وزاد عليهم ما شاء الله، أو العرب الذي لا ناس الآن غيرهم، لأنَّا فضلناهم على العالمين - بأن يتمنوا دوام ذلهم كما دام لهم هم، ودل على نهاية حسدهم بأداة الاستعلاء في قوله :﴿على ما آتاهم الله﴾ أي بما له من صفات الكمال ﴿من فضله﴾ حسدوهم لما رأوا من إقبال جدهم وظهور سعدهم وأنهم سادة الناس وقادة أهل الندى والبأس :
إن العرانين تلقاها محسدة...
ولن ترى للئام الناس حساداً
وقد آتاهم الله سبحانه وتعالى جميع أنواع الملك، فإنه على ثلاثة أقسام : ملك على الظواهر والبواطن معاً، وهو للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما لهم من غاية الجود والكرم والرحمة والشفقة والشفاعة والبر واللطف التي كل منها سبب للانقياد، وذلك مع ما لهم بالله سبحانه وتعالى من تمام الوصلة ؛ وملك على الظواهر فقط، وهو ملك الملوك ؛ وملك على البواطن فقط، وهو ملك العلماء.


الصفحة التالية
Icon