قوله تعالى ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٧) ﴾

فصل


قال البقاعى :
: ﴿ولهم﴾ أي بعد ذلك ﴿عذاب أليم﴾ أي بالغ الإيجاع بما أوجعوا أولياء الله بسترهم لما أظهروا من شموس البيان، وانتهكوا من حرمات الملك الديان.
ثم علل شدة إيلامه بدوامه فقال :﴿يريدون أن يخرجوا﴾ أي يكون لهم خروج في وقت ما إذا رفعهم اللهب إلى أن يكاد أن يلقيهم خارجاً ﴿من النار﴾ ثم نفى خروجهم على وجه التأكيد الشديد فقال :﴿وما هم﴾ وأغرق في النفي بالجار واسم الفاعل فقال :﴿بخارجين منها﴾ أي ما يثبت لهم خروج أصلاً، ولعله عبر في النفي بالاسمية إشارة إلى أنه يتجدد لهم الخروج من الحرور إلى الزمهرير، فإن سمى أحد ذلك خروجاً فهو غير مرادهم.
ولما كان المعذبون في دار ربما دام لهم المكث فيها وانقطع عنهم العذاب قال :﴿ولهم﴾ أي خاصة دون عصاة المؤمنين ﴿عذاب﴾ أي تارة بالحر وتارة بالبرد وتارة بغيرهما، دائم الإقامة لا يبرح ولا يتغير ﴿مقيم ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٥٣﴾

فصل


قال الفخر :
إرادتهم الخروج تحتمل وجهين :
الأول : أنهم قصدوا ذلك وطلبوا المخرج منها كما قال تعالى :﴿كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا﴾ [ السجدة : ٢ ].
قيل : إذا رفعهم لهب النار إلى فوق فهناك يتمنون الخروج.
وقيل : يكادون يخرجون من النار لقوة النار ودفعها للمعذبين، والثاني : أنهم تمنوا ذلك وأرادوه بقلوبهم، كقوله تعالى في موضع آخر ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا﴾ [ المؤمنون : ١٠٧ ] ويؤكد هذا الوجه قراءة من قرأ ﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار﴾ بضم الياء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٧٦﴾
فائدة
قال القرطبى :
قال يزيد الفقير : قيل لجابر بن عبد الله إنكم يا أصحاب محمد تقولون إن قوماً يخرجون من النار والله تعالى يقول :﴿ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ﴾ فقال جابر : إنكم تجعلون العامّ خاصاً والخاص عامّا، إنما هذا في الكفار خاصة ؛ فقرأت الآية كلها من أوّلها إلى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة.
و﴿ مُّقِيمٌ ﴾ معناه دائم ثابت لا يزول ولا يحول ؛ قال الشاعر :
فإنّ لكمْ بيومِ الشَّعْبِ منّي...


الصفحة التالية