قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر ما يخص الإنسان من إثمه أتبعه ما يعديه إلى غيره فقال :﴿ومن يكسب خطيئة﴾ أي ذنباً غير متعمد له ﴿أو إثماً﴾ أي ذنباً تعمده.
ولما كان البهتان شديداً جداً قلَّ من يجترىء عليه، أشار إليه بأداة التراخي فقال :﴿ثم يرم به بريئاً﴾ أي ينسبه إلى من لم يعمله - كما فعل طعمة باليهودي، وابن أبي بالصديقة رضي الله تعالى عنها.
وعظم جرم فاعل ذلك بصيغة الافتعال في قوله :﴿فقد احتمل﴾ وبقوله :﴿بهتاناً﴾ أي خطر كذب يبهت المرمى به لعظمه، وكأنه إشارة إلى ما يلحق الرامي في الدنيا من الذم ﴿وإثماًَ﴾ أي ذنباً كبيراً ﴿مبيناً﴾ يعاقب به في الآخرة، وإنما كان مبيناً لمعرفته بخيانة نفسه وبراءة المرمى به، ولأن الله سبحانه وتعالى أجرى عادته الجميلة أن يظهر براءة المقذوف به يوماً ما بطريق من الطرق ولو لبعض الناس. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣١٦﴾

فصل


قال الفخر :
ذكروا في الخطيئة والإثم وجوهاً :
الأول : أن الخطيئة هي الصغيرة، والإثم هو الكبيرة وثانيها : الخطيئة هي الذنب القاصر على فاعلها، والإثم هو الذنب المتعدي إلى الغير كالظلم والقتل.
وثالثها : الخطيئة ما لا ينبغي فعله سواء كان بالعمد أو بالخطأ، والإثم ما يحصل بسبب العمد، والدليل عليه ما قبل هذه الآية وهو قوله ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ﴾ [ النساء : ١١١ ] فبيّن أن الإثم ما يكون سبباً لاستحقاق العقوبة.
وأما قوله ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً﴾ فالضمير في ﴿بِهِ﴾ إلى ماذا يعود ؟ فيه وجوه : الأول : ثم يرم بأحد هذين المذكورين.
الثاني : أن يكون عائداً إلى الإثم وحده لأنه هو الأقرب كما عاد إلى التجارة في قوله ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾
الثالث : أن يكون عائداً إلى الكسب، والتقدير : يرم بكسبه بريئاً، فدل يكسب على الكسب.
الرابع : أن يكون الضمير راجعاً إلى معنى الخطيئة فكأنه قال : ومن يكسب ذنباً ثم يرم به بريئاً.
وأما قوله ﴿فَقَدِ احتمل بهتانا﴾ فالبهتان أن ترمي أخاك بأمر منكر وهو برىء منه.


الصفحة التالية
Icon