قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر ما حرم من الطعام في كل حال، وكان الصيد ممن حرم في بعض الأوقات، وكان من أمثل مطعوماتهم، وكان قد ذكر لهم بعض أحكامه عقب قوله :﴿أحلت لكم بهيمة الأنعام﴾ ﴿وأحل لكم الطيبات﴾ أخذ هنا في ذكر شيء من أحكامه، وابتدأها - لأنهم خافوا على من مات منهم على شرب الخمر قبل تحريمها بأنه يبتليهم لتمييز الورع منهم من غيره - بالصيد في الحال التي حرمه عليهم فيها كما ابتلى إسرائيل في السبت، فكان ذلك سبباً لجعلهم قردة، ومنَّ سبحانه على الصحابة من هذه الأمة بالعصمة عند بلواهم بياناً لفضلهم على من سواهم، فقال تعالى منادياً لهم بما يكفّهم ذكره عن المخالفة :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أوقعوا الإيمان ولو على أدنى وجوهه، فعم بذلك العالي والداني ﴿ليبلونكم الله﴾ أي يعاملكم معاملة المختبر في قبولكم تحريم الخمر وغيره المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، وذكر الاسم الأعظم إشارة بالتذكير بما له من الجلال إلى أن له أن يفعل ما يشاء، وأشار إلى تحقير البلوى تسكيناً للنفوس بقوله :﴿بشيء من الصيد﴾ أي الصيد في البر في الإحرام، وهو ملتفت إلى قوله :﴿هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله﴾ [ المائدة : ٦٠ ] وشارح لما ذكر أول السورة في قوله ﴿غير محلي الصيد وأنتم حرم﴾، وما ذكر بعد المحرمات من قوله :﴿فكلوا مما أمسكن عليكم ﴾[ المائدة : ٤ ]، ووصف المبتلى به بوصف هو من أعلام النبوة فقال :﴿تناله أيديكم﴾ أي إن أردتم أخذه سالماً ﴿ورماحكم﴾ إن أردتم قتله، ثم ذكر المراد من ذلك وهو إقامة الحجة على ما يتعارفه العباد بينهم فقال :﴿ليعلم الله﴾ أي وهو الغني عن ذلك بما له من صفات الكمال التي لا خفاء بها عند أحد يعلم هذا الاسم الأعظم ﴿من يخافه بالغيب﴾ أي بما حجب به من هذه الحياة الدنيا التي حجبتهم عن أن يعرفوه حق معرفته سبحانه، والمعنى أنه يخرج بالامتحان ما كان من أفعال العباد في عالم الغيب إلى عالم الشهادة، فيصير تعلق العلم


الصفحة التالية
Icon