به تعلقاً شهودياً كما كان تعلقاً غيبياً لتقوم بذلك الحجة على الفاعل في مجاري عاداتهم، ويزداد من له اطلاع على اللوح المحفوظ من الملائكة إيماناً ويقيناً وعرفاناً، وقد حقق سبحانه معنى هذه الآية فابتلاهم بذلك عام الحديبية حتى كان يغشاهم الصيد في رحالهم ويمكنهم أخذه بأيديهم.
ولما كان هذا زاجراً في العادة عن التعرض لما وقعت البلوى به وحاسماً للطمع فيه بمن اتسم بما جعل محط النداء من الإيمان، سبب عنه قوله :﴿فمن اعتدى﴾ أي كلف نفسه مجاوزة الحد في التعرض له ؛ ولما كان سبحانه يقبل التوبة عن عباده، خص الوعيد بمن استغرق الزمان بالاعتداء فأسقط الجار لذلك فقال :﴿بعد ذلك﴾ أي الزجر العظيم ﴿فله عذاب أليم﴾ بما التذَّ من تعرضه إليه لما عرف بالميل إلى هذا أنه إلى ما هو أشهى منه كالخمر وما معها أميل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٣٩ ـ ٥٤٠﴾
وقال الفخر :
اعلم أن هذا نوع آخر من الأحكام، ووجه النظم أنه تعالى كما قال :﴿لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ﴾ [ المائدة : ٨٧ ] ثم استثنى الخمر والميسر عن ذلك، فكذلك استثنى هذا النوع من الصيد عن المحللات، وبين دخوله في المحرمات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٧١﴾
وقال ابن عاشور :
لا أحسب هذه الآية إلاّ تبييناً لقوله في صدر السورة ﴿ غير محلّى الصيد وأنتم حرم ﴾ [ المائدة : ١ ]، وتخلُّصاً لحكم قتل الصيد في حالة الإحرام، وتمهيداً لقوله :﴿ يا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] جرَّتْ إلى هذا التخلّص مناسبة ذكر المحرّمات من الخمر والميسر وما عطف عليهما ؛ فخاطب الله المؤمنين بتنبيههم إلى حالة قد يسبق فيها حرصُهم، حذَرَهم وشهوتُهم تقواهم.