قوله تعالى ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
لما كان تعليلهم بأمر الله مقتضياً لأنه إذا أمر بشيء أتبع، أمره أن يبلغهم أمره الذي جاء به دليل العقل مؤيداً بجازم النقل فقال :﴿قل﴾ أي لهؤلاء الذين نابذوا الشرع والعرف ﴿أمر ربي﴾ المحسن إليّ بالتكليف بمحاسن الأعمال، التي تدعو إليها الهمم العوال ﴿بالقسط﴾ وهو الأمر الوسط بين ما فحش في الإفراط صاعداً عن الحد، وفي التفريط هابطاً منه ؛ ولما كان التقدير : فأقسطوا اتباعاً لما أمر به، أو كان القسط مصدراً ينحل إلى : أن أقسطوا، عطف عليه ﴿وأقيموا وجوهكم﴾ مخلصين غير مرتكبين لشيء من الجور ﴿عند كل مسجد﴾ أي مكان ووقت وحال يصلح السجود فيه، ولا يتقيدن أحد بمكان ولا زمان بأن يقول وقد أدركته الصلاة : أذهب فأصلي في مسجدي ﴿وادعوه﴾ عند ذلك كله دعاء عبادة ﴿مخلصين له الدين﴾ أي لا تشركوا به شيئاً.
ولما كان المعنى : فإن من لم يفعل ذلك عذبه بعد إعادته له بعد الموت، ترجمه مستدلاً عليه بقوله معللاً :﴿كما بدأكم﴾ أي في النشأة الأولى فأنتم تبتدئون نعيدكم بعد الموت فأنتم ﴿تعودون﴾ حال كونكم فريقين :﴿فريقاً هدى﴾ أي خلق الهداية في قلوبهم فحق لهم ثواب الهداية ﴿وفريقاً﴾ أضل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٤﴾
فصل
قال الفخر :
قوله :﴿أَمَرَ رَبّي بالقسط﴾ يدل على أن الشيء يكون في نفسه قسطاً لوجوه عائدة إليه في ذاته، ثم إنه تعالى يأمر به لكونه كذلك في نفسه، وذلك يدل أيضاً على أن الحسن إنما يحسن لوجوه عائدة إليه، وجوابه ما سبق ذكره.
فائدة :
قال عَطاء، والسُّدّي ﴿بالقسط﴾ بالعدل وبما ظهر في المعقول كونه حسناً صواباً.
وقال ابن عباس : هو قول لا إله إلا الله والدليل عليه قوله :﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَائِمَاً بالقسط﴾ [ آل عمران : ١٨ ] وذلك القسط ليس إلا شهادة أن لا إله إلا الله.
فثبت أن القسط ليس إلا قول لا إله إلا الله.