قوله تعالى ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (١١٣) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) ﴾
مناسبة الآيتين لما قبلهما
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : فأخر أمرهما وأرسل كما قالوا، فجمعوا من وجدوه منهم، عطف عليه قوله :﴿وجاء السحرة فرعون﴾ ولما تشوف السامع إلى خبرهم، قال مجيباً له استئنافاً :﴿قالوا﴾ أي لفرعون عندما حضروا بين يديه متوثقين لنفع أنفسهم مفهمين له أنهم غالبون، لا مانع لهم من ذلك إلا عدم إنصافهم، سائقين للكلام في قراءة الجماعة مساق الاستفهام أدباً معه في طلب الإكرام :﴿إن لنا لأجراً﴾ وأكدوا طلباً لإخراج الوعد على حال التكذيب ﴿إن كنا نحن﴾ أي خاصة ﴿الغالبين﴾ ومن أخبر أراد الاستفهام وهم نافع وابن كثير وحفص عن عاصم ﴿قال﴾ أي فرعون ﴿نعم﴾ أي لكم أجر مؤكد الخبر به، وزاد بيان التأكيد بما زادهم به رغبة في قوله :﴿وإنكم﴾ أي زيادة على ذلك ﴿لمن المقربين﴾ أي عندي في الحضرة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨٢﴾

فصل


قال الفخر :
﴿وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ نافع، وابن كثير، وحفص، عن عاصم، ﴿إن لنا لأجراً﴾ بكسر الألف على الخبر والباقون على الاستفهام، ثم اختلفوا، فقرأ أبو عمرو بهمزة ممدودة على أصله والباقون بهمزتين قال الواحدي رحمه الله : الاستفهام أحسن في هذا الموضع، لأنهم أرادوا أن يعلموا هل لهم أجر أم لا ؟ ويقطعون على أن لهم الأجر ويقوي ذلك إجماعهم في سورة الشعراء على الهمز للاستفهام وحجة نافع وابن كثير على أنهما أرادا همزة الاستفهام، ولكنهما حذفا ذلك من اللفظ وقد تحذف همزة الاستفهام من اللفظ، وإن كانت باقية في المعنى كقوله تعالى :﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] فإنه يذهب كثير من الناس إلى أن معناه أو تلك بالاستفهام، وكما في قوله :﴿هذا رَبّى﴾ [ الأنعام : ٧٨ ] والتقدير أهذا ربي وقيل : أيضاً المراد أن السحرة أثبتوا لأنفسهم أجراً عظيماً، لأنهم قالوا : لا بد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم كقول العرب : إن له لإبلاً، وإن له لغنماً، يقصدون الكثرة.
المسألة الثانية :
لقائل أن يقول : هلا قيل :﴿وجاء السحرة فرعون قالوا ).
وجوابه : هو على تقدير : سائل سأل : ما قالوا إذ جاؤه.
فأجيب بقوله :{قالوا أئن لنا لأجراً﴾
أي جعلا على الغلبة.
فإن قيل : قوله :﴿وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين﴾ معطوف، وما المعطوف عليه ؟
وجوابه : أنه معطوف على محذوف، سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال إيجاباً لقولهم : إن لنا لأجراً، نعم إن لكم لأجراً، وإنكم لمن المقربين.
أراد أني لا أقتصر بكم على الثواب، بل أزيدكم عليه، وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين عندي.
قال المتكلمون : وهذا يدل على أن الثواب إنما يعظم موقعه إذا كان مقروناً بالتعظيم، والدليل عليه أن فرعون لما وعدهم بالأجر قرن به ما يدل على التعظيم، وهو حصول القربة.
المسألة الثالثة :
الآية تدل على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبداً ذليلاً مهيناً عاجزاً، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليه السلام، وتدل أيضاً على أن السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان، وإلا لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون، لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان، فلم لم يقبلوا التراب ذهباً، ولم لم ينقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولم لم يجعلوا أنفسهم ملوك العالم ورؤساء الدنيا، والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق، وأن لا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٦٣ ـ ١٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon