قوله تعالى ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٠٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر خوف الضرر، مرشدة إلى إتقان المكائد للتخلص من الخطر، وكان ذلك مظنة لمتابعة النفس والمبالغة فيه، وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد ؛ أتبع ذلك قوله تعالى منبهاً على الجد في أمره، وأنه لم يدع في الصلاة ولا غيرها ما يشغل عنه، عاطفاً على نحو : فافعلوا ما أمرتكم به، أو على ﴿فأقيموا الصلاة﴾ :﴿ولا تهنوا﴾ أي تضعفوا وتتوانوا بالاشتغال بذكر ولا صلا، فقد يسرت ذلك لكم تيسيراً لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد ﴿في ابتغاء القوم﴾ أي طلبهم بالاجتهاد وإن كانوا في غاية القوم والقيام بالأمور ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن تكونوا تألمون﴾ أي يحصل لكم ألم ومشقة بالجهاد من القتل وما دونه ﴿فإنهم يألمون كما تألمون﴾ أي لأنهم يحصل لهم من ذلك ما يحصل لكم، فلا يكونن على باطلهم اصبر منكم على حقكم.
ولما بين ما يكون مانعاً لهم من الوهن دونهم، لأنه مشترك بينهم ؛ بيّن ما يحملهم على الإقدام لاختصاصه به فقال :﴿وترجون﴾ أي أنتم ﴿من الله﴾ أي الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى ﴿ما لا يرجون﴾ أي من النصر والعزم والكرم واللطف، لأنكم تقاتلون فيه وهم يقاتلون في الشيطان، وهذا لكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء كان ذلك في جهاد الكفار أو لا.
ولما كان العلم مبنى كل خير، وكانت الحكمة التي هي نهاية العلم وغاية القدرة مجمع الصفات العلى قال تعالى ؛ ﴿وكان الله﴾ أي الآمر لكم بهذه الأوامر وهو المحيط بكل شيء ﴿عليماً﴾ أي بالغ العلم فهو لا يأمر إلا بما يكون بالغ الحسن مصلحاً للدين والدنيا ﴿حكيماً﴾ فهو يتقن لمن يأمره الأحوال، ويسدده في المقال والفعال، فمن علم منه خيراً أراده ورقاه في درج السعادة، ومن علم منه شراً كاده فنكس مبدأه ومعاده. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣١٠﴾