فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما ذكر بعض الأحكام التي يحتاج المجاهد إلى معرفتها عاد مرة أخرى إلى الحث على الجهاد فقال ﴿وَلاَ تَهِنُواْ﴾ أي ولا تضعفوا ولا تتوانوا ﴿فِى ابتغاء القوم﴾ أي في طلب الكفار بالقتال، ثم أورد الحجة عليهم في ذلك فقال :﴿إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون﴾ والمعنى أن حصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم، فلما لم يصر خوف الألم مانعاً لهم عن قتالكم فكيف صار مانعاً لكم عن قتالهم، ثم زاد في تقرير الحجة وبين أن المؤمنين أولى بالمصابرة على القتال من المشركين، لأن المؤمنين مقرون بالثواب والعقاب والحشر والنشر، والمشركين لا يقرون بذلك، فإذا كانوا مع إنكارهم الحشر والنشر يجدون في القتال فأنتم أيها المؤمنون المقرون بأن لكم في هذا الجهاد ثواباً عظيماً وعليكم في تركه عقاباً عظيماً، أولى بأن تكونوا مجدين في هذا الجهاد، وهو المراد من قوله تعالى :﴿وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ ويحتمل أيضاً أن يكون المراد من هذا الرجاء ما وعدهم الله تعالى في قوله ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ﴾ [ التوبة : ٣٣ ] [ الفتح : ٢٨ ] [ الصف : ٩ ] وفي قوله ﴿يا أيها النبى حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ [ الأنفال : ٦٤ ] وفيه وجه ثالث، وهو أنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير فيصح منكم أن ترجوا ثوابه، وأما المشركون فإنهم يعبدون الأصنام وهي جمادات، فلا يصح منهم أن يرجوا من تلك الأصنام ثواباً أو يخافوا منها عقاباً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٢٥ ـ ٢٦﴾
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَهِنُواْ ﴾ أي لا تَضْعفُوا، وقد تقدّم في "آل عمران".
﴿ فِي ابتغآء القوم ﴾ طلبهم.
قيل : نزلت في حرب أُحُد حيث أمر النبي ﷺ بالخروج في آثار المشركين.
وكان بالمسلمين جراحات، وكان أمر ألاّ يخرج معه إلا من كان في الوقعة، كما تقدّم في "آل عمران" وقيل : هذا في كل جهاد.


الصفحة التالية
Icon