قوله تعالى ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٩٧)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ألزمهم سبحانه وتعالى بالدليل الذي دل على النسخ أنهم على غير ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأوجب عليهم اتباعها بعد بيان أنها هي ما عليه محمد ﷺ وأتباعه، أخبر عن البيت الذي يخول إليه التوجه في الصلاة، فعابوه على أهل الإسلام أنه أعظم شعائر إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي كفروا بتركها، ولذلك أبلغ في تأكيده فقال سبحانه وتعالى :﴿إن أول بيت﴾ أي من البيوت الجامعة للعبادة ﴿وضع للناس﴾ أي على العموم متعبداً واجباً عليهم قصده وحجه بما أمرهم به على لسان موسى عليه الصلاة والسلام، واستقباله في الصلاة بما أنزل على محمد ﷺ في ذلك، ولعل بناء وضع، للمفعول إشارة إلى أن وضعه كان قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ﴿للذي ببكة﴾ أي البلدة التي تدق أعناق الجبابرة، ويزدحم الناس فيها إزدحاماً لا يكون في غيرها مثله ولا قريب منه، فلا بد أن يدق هذا النبي الذي أظهرته منها الأعناق من كل من ناواه ويزدحم الناس على الدخول في دينه ازدحاماً لم يعهد مثله فإن فاتكم ذلك ختم في الدارين غاية الخيبة ودام ذلكم وصغاركم ؛ حال كونه ﴿مباركاً﴾ أي عظيم الثبات كثير الخيرات في الدين والدنيا ﴿وهدى للعالمين﴾ أي من بني إسرائيل ومن قبلهم ومن بعدهم، فعاب عليهم سبحانه وتعالى في هذه الآية فعلهم من النسخ ما أنكروه على مولاهم.


الصفحة التالية
Icon