قوله تعالى ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت الجملتان من الاحتباك، فأفادتا بما ذكر وما دل عليه المذكور مما حذف أنه تعالى غالب على أمره، قال مصرحاً بذلك :﴿وهو القاهر﴾ أي الذي يعمل مراده كله ويمنع غيره مراده إن شاء، وصور قهره وحققه لتمكن الغلبة بقوله :﴿فوق عباده﴾ وكل ما سواه عبد ؛ ولما كان في القهر ما يكون مذموماً، نفاه بقوله :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الحكيم﴾ فلا يوصل أثر القهر بإيقاع المكروه إلا لمستحق، وأتم المعنى بقوله :﴿الخبير﴾ أي بما يستحق كل شيء، فتمت الأدلة على عظيم سلطانه وأنه لا فاعل غيره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٩٩﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن صفات الكمال محصورة في القدرة والعلم فإن قالوا : كيف أهملتم وجوب الوجود.
قلنا : ذلك عين الذات لا صفة قائمة بالذات لأن الصفة القائمة بالذات مفتقرة إلى الذات والمفتقر إلى الذات مفتقر إلى الغير فيكون ممكناً لذاته واجباً بغيره فيلزم حصول وجوب قبل الوجوب وذلك محال فثبت أنه عين الذات، وثبت أن الصفات التي هي الكمالات حقيقتها هي القدرة والعلم فقوله ﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ إشارة إلى كمال القدرة، وقوله ﴿وَهُوَ الحكيم الخبير﴾ إشارة إلى كمال العلم.
وقوله ﴿وَهُوَ القاهر﴾ يفيد الحصر ومعناه أنه لا موصوف بكمال القدرة وكمال العلم إلا الحق سبحانه وعند هذا يظهر أنه لا كامل إلا هو، وكل من سواه فهو ناقص.
إذا عرفت هذا فنقول : أما دلالة كونه قاهراً على القدرة فلأنا بينا أن ما عدا الحق سبحانه ممكن بالوجود لذاته، والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه ولا عدمه على وجوده إلا بترجيحه وتكوينه وإيجاده وإبداعه فيكون في الحقيقة هو الذي قهر الممكنات تارة في طرف ترجيح الوجود على العدم، وتارة في طرف ترجيح العدم على الوجود ويدخل في هذا الباب كونه قاهراً لهم بالموت والفقر والاذلال ويدخل فيه كل ما ذكره الله تعالى في قوله ﴿قُلِ اللهم مالك الملك﴾ [ آل عمران : ٢٦ ] إلى آخر الآية.