قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أشربت القلوب الصافية ذوات الهمم العالية حب نيل هذا الفوز أتبعه الترهيب فطماً لها عن تلك الفوائد بالكلية فقال :﴿ومن يعص الله﴾ أي الذي له العظمة كلها ﴿ورسوله﴾ أي في ذلك وغيره ﴿ويتعد حدوده﴾ أي التي حدها في هذه الأحكام وغيرها، وأفرد العاصي في النيران في قوله :﴿يدخله ناراً خالداً فيها﴾ لأن الانفراد المقتضي للوحشة من العذاب والهوان، ولما كان منعهم للنساء والأطفال من الإرث استهانة بهم ختم الآية بقوله :﴿وله عذاب مهين ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٢٥﴾
قال القرطبى :
وقوله :﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ يريد في قسمة المواريث فلم يقسِمها ولم يعمل بها ﴿ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ﴾ أي يخالف أمره ﴿ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا ﴾.
والعصيان إن أُريد به الكفر فالخلود على بابه، وإن أُريد به الكبائر وتجاوز أوامر الله تعالى فالخلود مستعار لمدّة ما.
كما تقول : خلّد الله ملكه.
وقال زهير :
ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا...
وقد تقدّم هذا المعنى في غير موضع. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٨٢﴾.
وقال أبو حيان :
﴿ ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ﴾ لما ذكر ثواب مراعي الحدود ذكر عقاب من يتعداها، وغلظ في قسم المعاصي، ولم يكتف بالعصيان بل أكد ذلك بقوله : ويتعدّ حدوده، وناسب الختم بالعذاب المهين، لأن العاصي المتعدّي للحدود برز في صورة من اغتر وتجاسر على معصية الله.
وقد تقل المبالاة بالشدائد ما لم ينضم إليها الهوان، ولهذا قالوا : المنية ولا الدنية.
قيل : وأفرد خالداً هنا، وجمع في خالدين فيها، لأنّ أهل الطاعة أهل الشفاعة، وإذا شفع في غير دخلها، والعاصي لا يدخل النار به غيره، فبقي وحيداً انتهى. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٠٠﴾