قوله تعالى ﴿ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أعلم أنه يستحقه لذاته ووصفه، أعلم أنه يستحقه وحده فقال :﴿لا شريك له﴾ أي ليكون لشريكه على زعمكم شيء من العبادة لما كان له شيء من الربوبية، فأبان بهذا أن وجهه ﷺ ووجه من تبعه واحد لا افتراق فيه، وهو قصد الله وحده على سبيل الإخلاص كما أنه يوحد بالإحياء والإماتة فينبغي أن يوحد بالعبادة.
ولما دل على ذلك ببرهان العقل، أتبعه بجازم النقل فقال عاطفاً على ما تقديره : إلى ذلك أرشدني دليل العقل :﴿وبذلك﴾ أي الأمر العالي من توجيه أموري إليه على وجه الإخلاص.
ولما كان له سبحانه في كل شيء آية تدل على أنه واحد، فكان كل شيء آمراً بالتوحيد بلسان حاله أو ناطق قاله، بني للمفعول قوله :﴿أمرت﴾ أي يعني أن هذا الدين لو لم يرد به أمر كان ينبغي للعاقل أن يدين به ولا يعدل عنه لشدة ظهوره وانتشار نوره بما قام عليه من الدلائل ودرج على اتباعه من الأفاضل والأماثل، فكيف إذا برزت به الأوامر الإلهية ودعت إليه الدواعي الربانية ﴿وأنا أول المسلمين﴾ أي المنقادين لما يدعو إليه داعي الله في هذا الدين، لا اختيار لي أصلاً، بل أنا مسلوب الاختيار فيه منقاد أتم انقياد، وهذه الأولية على سبيل الإطلاق في الزمان والرتبة بالنسبة إلى أمته ﷺ وفي الرتبة بالنسبة إلى من تقدمه من الأنبياء وغيرهم، وهذا أيضاً من باب الإحسان في الدعاء بالتقدم إلى ما يدعو إليه وأن يحب للمدعو ما يحب لنفسه ليكون أنفى للتهمة وأدل على النصيحة فيكون أدعى للقبول. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٥٣﴾
فصل
قال الفخر :
ثم نص على أنه لا شريك له في الخلق، والتقدير : ثم يقول وبذلك أمرت أي وبهذا التوحيد أمرت.
ثم يقول :﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين﴾ أي المستسلمين لقضاء الله وقدره، ومعلوم أنه ليس أولاً لكل مسلم، فيجب أن يكون المراد كونه أولاً لمسلمي زمانه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١١﴾