قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أثبت لمن صد عنه النار علله بقوله :﴿إن الذين كفروا بآياتنا﴾ أي ستروا ما أظهرته عقولهم بسببها ﴿سوف نصليهم﴾ أي بوعيد ثابت وإن طال معه الإمهال ﴿ناراً﴾ ولما كانت النار - على ما نعهده - مفنية ماحقة، استأنف قوله رداً لذلك :﴿كلما نضجت جلودهم﴾ أي صارت بحرّها إلى حالة اللحم النضيج الذي أدرك أن يؤكل، فصارت كاللحم الميت الذي يكون في الجرح، فلا يحس بالألم ﴿بدَّلناهم﴾ أي جعلنا لهم ﴿جلوداً غيرها﴾ أي غير النضيجة بدلاً منها بأن أعدناها إلى ما كانت عليه قبل تسليط النار عليها، كما إذا صُغتَ من خاتم خاتماً على غير هيئته، فإنه هو الأول لأن الفضة واحدة، وهو غيره لأن الهيئة متغايرة، وهكذا الجلد الثاني مغاير للنضيج في الهيئة ﴿ليذوقوا﴾ أي أصحاب الجلود المقصودون بالعذاب ﴿العذاب﴾ أي ليدوم لهم تجدد ذوقه، فتجدد لهم مشاهده الإعادة بعد البلى كل وقت، كما كانوا يجددون التكذيب بذلك كل وقت، ليكون الجزاء من جنس العمل، فإنه لو لم يُعِدْ منهم ما وهي لأداه وهيه إلى البلى، ولو بلى منهم شيء لبلوا كلهم فانقطع عذابهم.
ولما كان هذا أمراً لم يعهد مثله، دل على قدرته عليه بقوله :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿كان﴾ ولم يزل ﴿عزيزاً﴾ أي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ﴿حكيماً﴾ ي يتقن صنعه، فجعل عذابهم على قدر ذنوبهم، لأن عزائمهم كانت على دوامهم على ما استحقوا به ذلك ما بقوا. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٦٩ ـ ٢٧٠﴾


الصفحة التالية
Icon