قوله تعالى ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان المقام للعلم الكاشف للحقائق المبين لما يتبع وما يجتنب، قال معللاً لهذا الإخبار :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإنزال هذا الكتاب الكاشف للارتياب الهادي إلى الصواب ﴿هو﴾ أي وحده ﴿أعلم﴾ ولكون الحال شديد الاقتضاء للعلم، قطعه عما بعده ليسبق إلى الفهم أنه أعلم من كل من يتوهم فيه العلم مطلقاً ثم قال :﴿من﴾ أي يعلم من ﴿يضل﴾ أي يقع منه ضلال يوماً ما ﴿عن سبيله﴾ أي الذي بينه بعلمه ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿أعلم بالمهتدين﴾ كما أنه أعلم بالضالين، فمن أمركم باتباعه فاتبعوه، ومن نهاكم عنه فاجتنبوه، فمن ضل أرداه، ومن اهتدى أنجاه، فاستمسكوا بأسبابه حذراً من وبيل عقابه يوم حسابه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٠١﴾
فصل
قال الفخر :
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾
فيه مسألتان :
المسألة الأولى :
في تفسيره قولان : الأول : أن يكون المراد أنك بعد ما عرفت أن الحق ما هو، وأن الباطل ما هو، فلا تكن في قيدهم بل فوض أمرهم إلى خالقهم، لأنه تعالى عالم بأن المهتدي من هو ؟ والضال من هو ؟ فيجازي كل واحد بما يليق بعمله.
والثاني : أن يكون المراد أن هؤلاء الكفار وإن أظهروا من أنفسهم ادعاء الجزم واليقين فهم كاذبون، والله تعالى عالم بأحوال قلوبهم وبواطنهم، ومطلع على كونهم متحيرين في سبيل الضلال تائهين في أودية الجهل.
المسألة الثانية :
قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ﴾ فيه قولان : الأول : قال بعضهم ﴿أَعْلَمُ﴾ ههنا بمعنى يعلم والتقدير : إن ربك يعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
فإن قيل : فهذا يوجب وقوع التفاوت في علم الله تعالى وهو محال.
قلنا : لا شك أن حصول التفاوت في علم الله تعالى محال.
إلا أن المقصود من هذا اللفظ أن العناية بإظهار هداية المهتدين فوق العناية بإظهار ضلال الضالين، ونظيره قوله تعالى :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [ الإسراء : ٧ ] فذكر الإحسان مرتين والإساءة مرة واحدة.
والثاني : أن موضع ﴿مِنْ﴾ رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام، والمعنى إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله، وهذا مثل قوله تعالى :﴿لنعلم أي الحزبين أحصى﴾ [ الكهف : ١٢ ] وهذا قول : المبرد والزجاج والكسائي والفراء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٣٤﴾