قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انقضى هذا القسم حالاً ومآلاً، أتبعه سبحانه القسم الآخر بقوله مؤكداً لإنكار الكفار هدايتهم :﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف بما لهم من القوة النظرية التي كمالها معرفة الأشياء وسلطانها معرفة الله تعالى ﴿وعملوا﴾ أي وصدقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا ﴿الصالحات﴾ بالقوة العملية التي سلطانها عبودية الله تعالى، والصالح : ما جاء بالحث عليه الأنبياء عليهم السلام ﴿يهديهم﴾ أي على سبيل التجدد والاستمرار ﴿ربهم﴾ أي المحسن إليهم ﴿بإيمانهم﴾ أي بسبب تصديقهم وإذعانهم لمعرفة الآيات التي غفل عنها الذين يأملون البقاء ولا يرجون اللقاء، فقادتهم إلى دار السلام، وهذا كما كان كثير من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ م بعد إسلامهم يشتد تعجبهم مما كان من تباطئهم عن الإسلام، وكما ترى أنك تخنق على بعض الكملة فلا يدعك حظ النفس ترى له حسنة، ثم أنك قد ترضى عنه فتراه كله محاسن.
ولما ذكر أن مآل القسم الأول النار، ذكر مآل هذا القسم في معرض سؤال من يقول : ماذا تورثهم هدايتهم؟ فقيل له :﴿تجري﴾ وأشار إلى قرب منال المياه وانكشافها عن كل ما ينتفع به في غير ذلك بإثبات الجار فقال :﴿من تحتهم﴾ أي تحت غرفهم وأسرّتهم وغير ذلك من مشتهياتهم كقوله تعالى ﴿قد جعل ربك تحتك سرياً﴾ [ مريم : ١٤ ] وكذا قول فرعون ﴿وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ [ الزخرف : ٥١ ] ﴿الأنهار﴾ كائنين ﴿في جنّات النعيم﴾ أي التي ليس فيها من غيره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٢٠ ﴾


الصفحة التالية
Icon