قوله تعالى ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما وصف القرآن بما وصفه به من الشفاء وما معه بعد إقامة الدليل على إعجازه، وأشار إلى أن ما تدينوا به في غاية الخبط وأنه مع كونه كذباً يقدر كل واحد على تغييره بأحسن منه لكونه غير مبني على الحكمة، وختم ذلك بتهديدهم على افتراء الكذب في شرع ما لم يأذن به مع ادعائهم أن القرآن مفترى وهم عاجزون عن معارضته، وبأنهم لم يشكروه على نعمه التي أجلّها تخصيصهم بهذا الذكر الحكيم والشرع القويم، وكان قد أكثر في ذلك كله من الأمر له ـ ﷺ ـ بمحاجتهم ﴿قل لا أملك لنفسي﴾، ﴿قل أرأيتم إن أتاكم عذابه﴾، ﴿قل إي وربي إنه لحق﴾، ﴿قل بفضل الله﴾ - الآية، ﴿قل أرأيتم ما أنزل الله لكم﴾، ﴿قل الله أذن لكم﴾، قال تعالى ناظراً إلى قوله :﴿وما كان هذا القرآن أن يفترى﴾ الآية، تسلية له ـ ﷺ ـ وتقوية لهمته وزيادة في تهديدهم عطفاً على ما تقديره : فقد أنزلت إليهم على لسانك ما هو شرف لهم ونعمة عليهم وهو في غاية البعد عن مطلق الكذب فإن كل شيء منه في أحكم مواضعه وأحسنها لا يتطرق إليه الباطل بوجه وهم يقابلون نعمته بالكفر :﴿وما تكون﴾ أنت ﴿في شأن﴾ أي أيّ شأن كان ﴿وما تتلوا منه﴾ أي من القرآن المحدث عنه في جميع هذه السورة، الذي تقدم أنهم كذبوا به من غير شبهة لهم ﴿من قرآن﴾ أي قليل أو كثير ﴿ولا تعملون﴾ أي كلكم طائعكم وعاصيكم، وأغرق في النفي فقال :﴿من عمل﴾ صغير أو كبير ﴿إلا كنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿عليكم شهوداً﴾ أي عاملين بإحاطة علمنا ووكالة جنودنا عمل الشاهد ﴿إذ تفيضون فيه﴾ الآية إيذاناً بأنك بعيني في جميع هذه المراجعات وغيرها من شؤونك وأنا العالم بتدبيرك والقادر على نصرتك، وهي كلها من كتابي الذي تتضاءل القوى دونه وتقف الأفكار عن مجاراته لأنه حكيم لكونه من عندي فجل عن مطلق المعارضة لفظاً أو معنى فضلاً عن التغيير فضلاً عن الإتيان بما هو مثله فكيف بما هو أحسن منه، لاستقامة أمره


الصفحة التالية
Icon