قوله تعالى ﴿ الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
( بسم الله ) الذي أحاط بجميع القوة فأعز جنده ( الرحمن ) الذي شمل جميع العباد بنعمة الأمر والنهي ( الرحيم ) الذي ألزم أهل العرفان ذروة الإحسان.
لما ختم السورة الماضية بالحث على العمل للدار الآخرة، وأن كل أحد من محسن مسيء مجزى بعمله، وبالإخبار بأنه سبحانه عالم بالسر والعلن، بالأمر بالاجتهاد فيالدعاء إليه وقصر الهمم عليه وإن أدى ذلك إلى الملال، وذهاب النفس والأموال، معللاً بأن له الحكم سبحانه لأنه الباقي بلا زوال، وكل ماعداه فإلى تلاش واضمحلال، وأنه لا يفوته شيء في حال ولا مآل، قال أول هذه :
﴿الم﴾ إشارة بالألف الدال على القائم الأعلى المحيط ولام الوصلة وميم التمام بطريق الرمز إلى أنه سبحانه أرسل جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام ليدعو الناس بالقرآن الذي فرض عليه إلى الله، لتعرف بالدعوة سرائرهم ويتميز بالتكليف محقهم ومماكرهم ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم﴾ [ محمد : ٣١ ].
ولما عبر بهذه الإشارة لأهل الفطنة والبصائر، قال منكراً على من ظن أن مدعي الإيمان لا يكلف البيان، ومفصلاً لما ختمت به تلك من جميع هذه المعاني، بانياً على ما أشارت إليه الأحرف لأولي العرفان :﴿أحسب الناس﴾ أي كافة، فإن كلاًًّ منهم يدعي أنه مؤمن لمعنى أنه يقول : إنه على الحق، ولعله عبر بالحسبان والنوس إشارة إلى أن فاعل ذلك مضطرب العقل منحرف المزاج.


الصفحة التالية
Icon