قوله تعالى ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر سبحانه بما فعل بالقرى الظالمة، وحذر كل من فعل أفعالهم بسطواته في الدنيا والآخرة، وأمر باتباع أمره والاعراض عن اختلافهم الذي حكم به وأراده، عطف على قوله ﴿نقصه عليك﴾ قوله :﴿وكلاًّ نقص﴾ أي ونقص ﴿عليك﴾ كل نبأ أي خبر عظيم جداً ﴿من أنباء الرسل﴾ مع أممهم : صالحيهم وفاسديهم، فعم تفخيماً للأمر، ولما كان الذي جرّ هذه القصص ما مضى من قوله :﴿فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك﴾، وكان ساكن الصدر القلب، وهو الفؤاد الذي به قوام الإنسان بل الحيوان، وهو أحرّ ما فيه، ولذا عبر عنه بما اشتق من الفأد وهو الحرف، وكان من لازم الحرارة الاضطراب والتقلب الذي اشتق منه القلب فيضيق به الصدر، أبدل من ﴿كلاًّ﴾ قوله :﴿ما نثبت﴾ أي تثبيتاً عظيماً ﴿به فؤادك﴾ أي فيسكن في موضعه ويطمئن أو يزداد يقينه فلا يضيق الصدر من قولهم ﴿لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك﴾ ونحوه، وبهذا تبين أن المراد بذلك العام خاص لحصوله المقصود له، وهو التسلية نظراً إلى قوله تعالى ﴿وضائق به صدرك﴾ لأن المشاركة في الأمور الصعبة تهون على الإنسان ما يلقى من الأذى، والإعلام بعقوبات المكذبين فيها تأنيس للمكروب ؛ والتثبيت : تمكين إقامة الشيء ؛ والفؤاد : العضو الذي من شأنه أن يحمى بالغضب الحال فيه، من المفتأد وهو المستوي.
ولما بين أن كل ما قص عليه من أخبارهم يستلزم هذا المقصود، بين أنه ليس كما يعلل به غالباً من الأخبار الفارغة والأحاديث المزخرفة الباطلة ولا مما ينقله المؤرخون مشوباً بالتحريف فقال :﴿وجاءك في هذه﴾ أي الأخبار ﴿الحق﴾ أي الكامل في الثبات الذي لا مرية فيه، وفائدة الظرف التأكيد لعظم المقصود من آية ﴿فلعلك﴾ وصعوبته.


الصفحة التالية
Icon