قوله تعالى ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أذن حرف الاستعلاء في الشهادة بأنه لا خير لهم في واحد من الدارين، وبأن التقدير : فبظلمهم، سبب عنه قوله دلالة على أن التوراة نزلت منجمة :﴿فبظلم﴾ أي عظيم جداً راسخ ثابت، وهو جامع لتفصيل نقض الميثاق وما عطف عليه مما استحلوه بعد أن حرمته التوارة، وقال مشيراً إلى زيادة تبكيتهم :﴿من الذين هادوا﴾ أي تلبسوا باليهودية في الماضي ادعاء أنهم من أهل التوراة والرجوع إلى الحق، ولم يضمر تعييناً لهم زيادة في تقريعهم ﴿حرمنا عليهم طيبات أحلت﴾ أي كان وقع إحلالها في التوراة ﴿لهم﴾ كالشحوم التي ذكرها الله تعالى في الأنعام.
ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته، وبدأها بإعراضهم عن الدين الحق، فقال معيداً للعامل تأكيداً له :﴿وبصدهم عن سبيل الله﴾ أي الذي لا أوضح منه ولا أسهل ولا أعظم، لكون الذي نهجه له من العظمة والحكمة ما لا يدرك، و" صد " يجوز أن يكون قاصراً فيكون ﴿كثيراً﴾ صفة مصدر محذوف، وأن يكون متعدياً فيكون مفعولاً به، أي وصدهم كثيراً من الناس بالإضلال عن الطريق، فمُنِعوا مستلذات تلك المآكل بما مَنَعوا أنفسهم وغيرهم من لذاذة الإيمان. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٦٦﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما شرح فضائح أعمال اليهود وقبائح الكافرين وأفعالهم ذكر عقيبه تشديده تعالى عليهم في الدنيا وفي الآخرة، أما تشديده عليهم في الدنيا فهو أنه تعالى حرّم عليهم طيبات كانت محللة لهم قبل ذلك، كما قال تعالى في موضع آخر ﴿وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون﴾ [ الأنعام : ١٤٦ ] ثم إنه تعالى بيّن ما هو كالعلة الموجبة لهذه التشديدات.