قوله تعالى ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أوصل إليهما هذا المعنى، أخبر أنه أكده تأكيداً عظيماً كما يؤكد الحالف ما يحلف عليه فقال :﴿وقاسمهما﴾ أي أقسم لهما، لكن ذكر المفاعلة ليدل على أنه حصلت بينهما في ذلك مراوغات ومحاولات بذل فيها الجهد، وأكد لمعرفته أنهما طبعا على النفرة من المعصية - ما أقسم عليه أنواعاً من التأكيد في قوله :﴿إني لكما﴾ فأفاد تقديم الجار المفهم للاختصاص أنه يقول : إني خصصتكما بجميع نصيحتي ﴿لمن الناصحين﴾ وفيه تنبيه على الاحتراز من الحالف، وأن الأغلب أن كل حلاف كذاب، فإنه لا يحلف إلا عند ظنه أن سامعه لا يصدقه، ولا يظن ذلك إلا هو معتاد للكذب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٧﴾

فصل


قال الفخر :
﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾
أي وأقسم لهما إني لكما لمن الناصحين.
فإن قيل : المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك.
تقول : قاسمت فلاناً أي حالفته، وتقاسما تحالفاً ومنه قوله تعالى :﴿تَقَاسَمُواْ بالله لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [ النمل : ٤٩ ].
قلنا : فيه وجوه : الأول : التقدير أنه قال : أقسم لكما إني لكما لمن الناصحين.
وقالا له : أتقسم بالله إنك لمن الناصحين ؟ فجعل ذلك مقاسمة بينهم.
والثاني : أقسم لهما بالنصيحة، وأقسما له بقبولها.
الثالث : أنه أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.
إذا عرفت هذا فنقول : قال قتادة : حلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله، وقوله :﴿إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ أي قال إبليس : إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم أحوالاً كثيرة من المصالح والمفاسد لا تعرفانها فامتثلا قولي أرشدكما. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٤١﴾


الصفحة التالية
Icon