قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان في ذلك إشارة إلى أن المرادين بهذه الآيات من أهل الكتاب أضل الناس، وكانوا يقولون : إنهم أهدى الناس ؛ عجب منهم منكراً عليهم بعد افترائهم تزكية أنفسهم فقال :﴿ألم تر﴾ وأبعدهم بقوله :﴿إلى الذين يزكون أنفسهم﴾ أي بما ليس لهم من قولهم ﴿لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة﴾ [ البقرة : ٨٠ ] وقولهم ﴿لن يدخل الجنة لا من كان هوداً أو نصارى﴾ [ البقرة : ١١١ ] وقوله :﴿ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا﴾ [ آل عمران : ١٨٨ ] ﴿ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً﴾ [ النساء : ٢٧ ] فإن إبعاد غيرهم في الميل مصحح لتزكيتهم أنفسهم بالباطل ونحو ذلك مما تقدم وغيره.
ولما كان معنى الإنكار : ليس لهم ذلك لأنهم كذبوا فيه وظلموا، أشار إليه بقوله :﴿بل الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يزكي من يشاء﴾ أي بما له من العلم التام والقدرة الشاملة والحكمة البالغة والعدل السوي بالثناء عليه وبخلق معاني الخير الظاهرة فيه لتنشأ عنها الأعمال الصالحة، فإذا زكي أحداً من أصفيائه بشيء كالنبوة، كان له أن يزكي نفسه بذلك حملاً على ما ينفع الناس به عن الله ﴿ولا﴾ أي والحال أن الذين يزكيهم أو يدسيهم لا ﴿يظلمون فتيلاً﴾ أي مقدار ما في شق النواة من ذلك الشيء المفتول، أي قليلاً ولا كثيراً، لأنه عالم بما يستحقون وهو الحكم العدل الغني عن الظلم، لأن له صفات الكمال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٦٦﴾
وقال الفخر :


الصفحة التالية
Icon