اعلم أنه تعالى لما هدد اليهود بقوله :﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ فعند هذا قالوا : لسنا من المشركين، بل نحن خواص الله تعالى كما حكى تعالى عنهم انهم قالوا :﴿نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [ المائدة : ١٨ ] وحكى عنهم أنهم قالوا :﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾ [ البقرة : ٨٠ ] وحكى أيضا أنهم قالوا :﴿لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى﴾ [ البقرة : ١١١ ] وبعضهم كانوا يقولون : أن آباءنا كانوا أنبياء فيشفعون لنا.
وعن ابن عباس رضي الله عنه ان قوما من اليهود أتوا بأطفالهم إلى النبي ﷺ وقالوا : يا محمد هل على هؤلاء ذنب ؟ فقال لا، فقالوا : والله ما نحن إلا كهؤلاء : ما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل.
وبالجملة فالقوم كانوا قد بالغوا في تزكية أنفسهم فذكر تعالى في هذه الآية أنه لا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٢﴾
وقال القرطبى :
وقال عبد الله بن مسعود : ذلك ثناء بعضهم على بعض.
وهذا أحسن ما قيل ؛ فإنه الظاهر من معنى الآية، والتزكية : التطهير والتبرية من الذنوب. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٢٤٦﴾.
قال الطبرى :
وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال : معنى"تزكية القوم"، الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم، وَصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحبّاء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه. لأن ذلك هو أظهر معانيه، لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها.
وأما الذين قالوا : معنى ذلك :"تقديمهم أطفالهم للصلاة"، فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٨ صـ ٤٥٥﴾