فصل
قال الآلوسى :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ ﴾ قال الكلبي : نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله ﷺ بأطفالهم فقالوا : يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب ؟ فقال : لا فقالوا : والذي يحلف به ما نحن فيه إلا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار فهذا الذي زكوا به أنفسهم ؛ وأخرج ابن جرير عن الحسن أنها نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا :﴿ نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [ المائدة : ١٨ ] وقالوا :﴿ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى ﴾ [ البقرة : ١١١ ] والمعنى : انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم عليه من الكفر والإثم العظيم، أو من ادعائهم أن الله تعالى يكفر ذنوبهم الليلية والنهارية مع استحالة أن يغفر لكافر شيء من كفره أو معاصيه، وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها لغير غرض صحيح كالتحدث بالنعمة ونحوه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٥٤﴾
فصل
قال الفخر :
التزكية في هذا الموضع عبارة عن مدح الإنسان نفسه، ومنه تزكية المعدل للشاهد، قال تعالى :﴿فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى﴾ [ النجم : ٣٢ ] وذلك لأن التزكية متعلقة بالتقوى، والتقوى صفة في الباطن، ولا يعلم حقيقتها إلا الله، فلا جرم لا تصلح التزكية إلا من الله، فلهذا قال تعالى :﴿بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاء ﴾.
فإن قيل : أليس أنه ﷺ قال :" والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ".
قلنا : إنما قال ذلك حين قال المنافقون له : اعدل في القسمة، ولأن الله تعالى لما زكّاه أولا بدلالة المعجزة جاز له ذلك بخلاف غيره. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٢﴾