قوله تعالى ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان في هذا من شرف العفة ما يدل على كمال العصمة، وأكده تعالى بما يدل على تسامي حسنه وتعالي جماله ولطفه، لأن العادة جرت بأن ذلك كان بعضه لأحد كان مظنة لميله، لتوفير الدواعي على الميل إليه، فقال تعالى :﴿وقال نسوة﴾ أي جماعة من النساء لما شاع الحديت ؛ ولما كانت البلدة كلما عظمت كان أهلها أعقل وأقرب إلى الحكمة، قال :﴿في المدينة﴾ أي التي فيها امرأة العزيز ساكنة ﴿امرأت العزيز﴾ فأضفنها إلى زوجها إرادة الإشاعة للخبر، لأن النفس إلى سماع أخبار أولى الأخطار أميل ؛ والعزيز : المنيع بقدرته من أن يضام، فالعزة أخص من مطلق القدرة، وعبرن بالمضارع في ﴿تراود فتاها﴾ أي عبدها نازلة من افتراش العزيز إلى افتراشه ﴿عن نفسه﴾ إفهاماً لأن الإصرار على المراودة صار لها كالسجية ؛ والفتى : الشاب، وقيده الرماني بالقوي، قال : وقال الزجاج : وكانوا يسمون المملوك فتى شيخاً كان أو شاباً، ففيه اشتراك على هذا ﴿قد شغفها﴾ ذلك الفتى ﴿حباً﴾ أي من جهة الحب، قال الرماني : شغاف القلب غلافه، وهو جلدة عليه، يقال : دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب، عن السدى وأبي عبيدة وعن الحسن أنه باطن القلب، وعن أبي علي : وسط القلب -انتهى.
والذي قال في المجمل وغيره أنه غلاف القلب، وأحسن من توجيه أبي عبيدة له أن حبه صار شغافاً لها، أي حجاباً، أي ظرفاً محيطاً بها، وأما " شعفها " - بالمهملة فمعناه : غشى شعفة قلبها، وهي رأسه عند معلق النياط، وقال الرماني : أي ذهب بها كل مذهب، من شعف الجبال، وهي رؤوسها.