ولما قيل ذلك، كان كأنه قد قيل : فكان ماذا؟ فقيل - وأكد لأن من رآه عذرها وقطع بأنهن لو كن في محلها عملن عملها ولم يضللن فعلها :﴿إنا لنراها﴾ أي نعلم أمرها علماً هو كالرؤية ﴿في ضلال﴾ أي محيط بها ﴿مبين﴾ لرضاها لنفسها بعد عز السيادة بالسفول عن رتبة العبد، ودل بالفاء على أن كلامهن نقل إليها بسرعة فقال :﴿فلما سمعت﴾ أي امرأة العزيز ﴿بمكرهن﴾ وكأنهن أردن بهذا الكلام أن يتأثر عنه ما فعلت امرأة العزيز ليرينه، فلذلك سماه مكراً ﴿أرسلت إليهن﴾ لتريهن ما يعذرنها بسببه فتسكن قالتُهن ﴿وأعتدت﴾ أي هيأت وأحضرت ﴿لهن متكاً﴾ أي ما يتكئن عليه من الفرش اللينة والوسائد الفاخرة، فأتينها فأجلستهن على ما أعدته لهن ﴿وأتت كل واحدة﴾ على العموم ﴿منهن سكيناً﴾ ليقطعن بها ما يحتاج إلى القطع مما يحضر من الأطعمة في هذا المجلس ؛ قال أبو حيان : فقيل : كان لحماً، وكانوا لا ينهشون اللحم، إنما كانوا يأكلونه حزاً بالسكاكين.
وقال الرماني : ليقطعن فاكهة قدمت إليهن - انتهى.
هذا الظاهر من علة إتيانهن وباطنه إقامة الحجة عليهن بما لا يجدن له مدفعاً مما يتأثر عن ذلك ﴿وقالت﴾ ليوسف فتاها عليه الصلاة والسلام ﴿اخرج عليهن﴾ فامتثل له ما أمرته به كما هو دأبه معها في كل ما لا معصية فيه، وبادر الخروج عليهن ﴿فلما رأينه﴾ أي النسوة ﴿أكبرنه﴾ أي أعظمن يوسف عليه الصلاة والسلام جداً إعظاماً كربّهن ﴿وقطعن﴾ أي جرحن جراحات كثيرة ﴿أيديهن﴾ وعاد لومهن عذراً، والتضعيف يدل على التكثير، فكأن السكين كانت تقع على يد إحداهن فتجرحها فترفعها عن يدها بطبعها، ثم يغلبها الدهش فتقع على موضع آخر وهكذا ﴿وقلن حاش﴾ أي تنزيهاً عظيماً جداً ﴿لله﴾ أي الملك الأعلى الذي له صفات الكمال التي خلق بها مثل هذا.