قوله تعالى ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
فلما بين أن إنزال الكتب رحمة منه لأن غايتها الدلالة على منزلها فتمتثل أوامره وتتقى مناهيه وزواجره، بين أنه لم يخص تلك الأمم بذلك، بل أنزل على هذه الأمة كتاباً ولم يرض لها كونه مثل تلك الكتب، بل جعله أعظمها بركة وأبينها دلالة، فقال :﴿وهذا﴾ أي القرآن ﴿كتاب﴾ أي عظيم ﴿أنزلناه﴾ أي بعظمتنا إليكم بلسانكم حجة عليكم ﴿مبارك﴾ أي ثابت كل ما فيه من وعد ووعيد وخير وغيره ثباتاً لا تمكن إزالته مع اليمن والخير.
ولما كان هذا معناه : وكان داعياً إليه محبباً فيه، سبب عنه قوله :﴿فاتبعوه﴾ أي ليكون جميع أموركم ثابتة ميمونة، ولما أمر باتباعه وكان الإنسان ربما تبعه في الظاهر، أمر بإيقاع التقوى المصححة للباطن إيقاعاً عاماً، ولذلك حذف الضمير فقال :﴿واتقوا﴾ أي ومع ذلك فأوقعوا التقوى، وهي إيجاد الوقاية من كل محذور، فإن الخطر الشديد والسلامة على غير القياس، فلا تزايلوا الخوف من منزله بجهدكم، فإن ذلك أجدر أن يحملكم على تمام الاتباع وإخلاصه ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي ليكون حالكم حال من يرجى له الإكرام بالعطايا الجسام، والآيتان ناظرتان إلى قوله تعالى ﴿قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى﴾ - إلى قوله - :﴿وهم على صلاتهم يحافظون﴾ [ الأنعام : ٩٢ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٤٧﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن قوله :﴿وهذا كتاب﴾ لا شك أن المراد هو القرآن وفائدة وصفه بأنه مبارك أنه ثابت لا يتطرق إليه النسخ كما في الكتابين، أو المراد أنه كثير الخير والنفع.
ثم قال :﴿فاتبعوه﴾ والمراد ظاهر.
ثم قال :﴿واتقوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي لكي ترحموا.
وفيه ثلاثة أقوال : قيل اتقوا مخالفته على رجاء الرحمة، وقيل : اتقوا لترحموا، أي ليكون الغرض بالتقوى رحمة الله، وقيل : اتقوا لترحموا جزاء على التقوى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٥﴾


الصفحة التالية
Icon