قوله تعالى ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قدم التنبيه بإتيان مطلق العذاب في مطلق الأحوال، وكان الإتيان بالكاف ثَمَّ مشيراً مع إفادة التأكيد إلى أن ثَمَّ نوع مهلة، وأتبعه أن أخذ الأمم كان بغتة، أعقبه التنبيه بعذاب خاص تصورُ شناعته يهذأ الأركان ويقطع الكبود ويملأ الجنان، فإنه لا أشنع حالاً من أصم أعمى مجنون، فقال مشيراً - بإسقاط كاف الخطاب مع التعبير بالأخذ الذي عهد أنه للبغث بالسطوة والقهر - إلى غاية التحذير من سرعة أيّ الأخذ :﴿قل أرءيتم﴾ فكانت حقيقة المقترن بالكاف : هل رأيتم أنفسكم، وهذا هل رأيتم مطلق رؤية، لما تقدمت الإشارة إليه من الإيماء إلى طلب الإسراع بالجواب خوف المفاجأة بالعذاب وإن كان المراد في الموضعين : أخبروني ﴿إن أخذ الله﴾ أي القادر على كل شيء العالم بكل شيء ﴿سمعكم﴾ وأفرده لقلة المفاوتة فيه، لأنه أعظم الطرق لإدراك القلب الذي لا أعظم من المفاوتة فيه حتى للإنسان الواحد بالنسبة إلى الأحوال المختلفة، ليكون ذلك أدل على الفعل بالاختيار ﴿وأبصاركم﴾ أي فأصمكم وأعماكم عمى وصمماً ظاهرين وباطنين بسلب المنفعة ﴿وختم على قلوبكم﴾ فجعلها لا تعي أصلاً أو لا ينتفع بالوعي ﴿من إله﴾ أي معبود بحق، لأن له إحاطة العلم والقدرة ؛ ثم وصف هذا الخبر بقوله :﴿غير الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿يأتيكم به﴾ أي بذلك الذي هو أشرف معاني أشرف أعضائكم، أو بشيء منه.