قوله تعالى ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٤٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما رد دين المشركين وأثبت دينه، وكانوا قد فصلوا الحرمة بالنسبة إلى ذكور الآدمي وإناثه، ألزمهم تفصيلها بالنسبة إلى ذكور الأنعام وإناثه، ففصل أمرها في أسلوب أبان فيها أن فعلهم رث القوى هلهل النسيج بعيد من قانون الحكمة، فهو موضع للاستهزاء وأهل للتهكم، فقال بياناً ل ﴿حمولة وفرشاً﴾ ﴿ثمانية أزواج﴾ أي أصناف، لا يكمل صنف منها إلا بالآخر، أنشأها بزواج كل من الذكر والأنثى الآخر، ولحق بتسميتهم الفرد بالزوج - بشرط أن يكون آخر من جنسه - تسميتهم الزجاجة كأساً بشرط أن يكون فيها خمر.
ولما كان الزوج يطلق على الاثنين وعلى ما معه آخر من نوعه، قال مبيناً أن هذا هو المراد لا الاثنان مفصلاً لهذه الثمانية :﴿من الضأن﴾ جمع ضائن وضائنة كصاحب وصحب ﴿اثنين﴾ أي ذكراً وأنثى كبشاً ونعجة ﴿ومن المعز﴾ جمع ماعز وماعزة كخادم وخدم في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وتاجر وتجر في قراءة غيرهم ﴿اثنين﴾ أي زوجين ذكراً وأنثى تيساً وعنزاً.
ولما كان كأنه قيل : ما المراد بهذا التفصيل قبل سؤالهم عن دينهم، قال :﴿قل﴾ أي لهم مستفهماً ؛ ولما كان هذا الاستفهام بمعنى التوبيخ والتهكم والإنكار، أتى فيه ب " ام " التي هي مع الهمزة قبلها بمعنى " أيّ " ليتفهم بها عما يعلم ثبوت بعضه وإنما يطلب تعيينه، فقال معترضاً بين المعدودات تأكيداً للتوبيخ، لأن الاعتراضات لا تساق إلاّ للتأكيد :﴿ءآلذكرين ﴾.
ولما كان المستفهم عنه بنصبه ما بعده لا ما قبله، قال :﴿حرم﴾ أي الله، فإن كان كذلك لزمكم تحريم جميع الذكور ﴿أم الأنثيين﴾ ليلزمكم تحريم جميع الإناث، واستوعب جميع ما يفرض من سائر الأقسام في قوله :﴿أما﴾ أي أم حرم ما ﴿اشتملت﴾ أي انضمت ﴿عليه﴾ وحملته ﴿أرحام الأنثيين﴾ أي من الذكور والإناث، ومتى كان كذلك لزمكم تحريم الكل فلم تلزموا شيئاً مما أوجبه هذا التقسيم فلم تمشوا على نظام.