قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر سبحانه الرسل بما ذكره، توقع السامع تفصيل شيء من أخبارهم، فابتدأ بذكر من كتابه أجل كتاب بعد القرآن هدى للناس دليلاً على أنه يفعل ما يشاء من الإضلال والهداية، وتسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتثبيتاً وتصبيراً على أذى قومه، وإرشاداً إلى ما فيه الصلاح في مكالمتهم، فقال مصدراً بحرف التوقع :﴿ولقد أرسلنا﴾ أي بعظمتنا ﴿موسى بآياتنا﴾ أي البينات ؛ ثم فسر الإرسال بقوله :﴿إن أخرج قومك﴾ أي الذين فيهم قوة على مغالبة الأمور ﴿من الظلمات﴾ أي أنواع الجهل ﴿إلى النور﴾ بتلك الآيات ﴿وذكرهم﴾ أي تذكيراً عظيماً ﴿بأيام الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام من وقائعه في الأمم السالفة وغير ذلك من المنح لأوليائه والمحن لأعدائه كما أرسلناك لذلك ﴿إن في ذلك﴾ أي التذكير العظيم ﴿لآيات﴾ على وحدانية الله وعظمته ﴿لكل صبار﴾ أي بليغ الصبر بلاء الله، قال في العوارف : وقال أبو الحسن بن سالم : هم ثلاثة : متصبر، وصابر، وصبار، فالمتصبر من صبر في الله، فمرة يصبر ومرة يجزع، والصابر من يصبر في الله ولله ولا يجزع ولكن يتوقع منه الشكوى، وقد يمكن منه الجزع، فأما الصبار فذلك الذي صبّره الله في الله ولله وبالله، فهذا لو وقع عليه جميع البلايا لا يجزع ولا يتغير من جهة الوجوب والحقيقة، لا من جهة الرسم والخليقة، وإشارته في هذا ظهور حكم العلم فيه مع ظهور صفة الطبيعة.