قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين سبحانه وتعالى المقطوع لهم بالنار بين الذين هم أهل لرجاء الجنة لئلا يزال العبد هارباً من موجبات النار مقبلاً على مرجئات الجنة خوفاً من أن يقع فيما يسقط رجاءه - وقال الحرالي : لما ذكر أمر المتزلزلين ذكر أمر الثابتين ؛ انتهى - فقال :﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان.
ولما كانت الهجرة التي هي فراق المألوف والجهاد الذي هو المخاطرة بالنفس في مفارقة وطن البدن والمال في مفارقة وطن النعمة أعظم الأشياء على النفس بعد مفارقة وطن الدين كرر لهما الموصول إشعاراً باستحقاقهما للاصالة في أنفسهما فقال مؤكداً للمعنى بالإخراج في صيغة المفاعلة :﴿والذين هاجروا﴾ أي أوقعوا المهاجرة بأن فارقوا بغضاً ونفرة تصديقاً لإقرارهم بذلك ديارهم ومن خالفهم فيه من أهلهم وأحبابهم. قال الحرالي : من المهاجرة وهو مفاعلة من الهجرة وهو التخلي عما شأنه الاغتباط به لمكان ضرر منه ﴿وجاهدوا﴾ أي أوقعوا المجاهدة، مفاعلة من الجهد - فتحاً وضماً، وهو الإبلاغ في الطاقة والمشقة في العمل ﴿في سبيل الله﴾ أي دين الملك الأعظم كل من خالفهم ﴿أولئك﴾ العالو الرتبة العظيمو الزلفى والقربة ولما كان أجرهم إنما هو من فضل الله قال :﴿يرجون﴾ من الرجاء وهو ترقب الانتفاع بما تقدم له سبب ما - قاله الحرالي ﴿رحمت الله﴾ أي إكرامه لهم غير قاطعين بذلك علماً منهم أن له أن يفعل ما يشاء لأنه الملك الأعظم فلا كفوء له وهم غير قاطعين بموتهم محسنين، قاطعون بأنه سبحانه وتعالى لو أخذهم بما يعلم من ذنوبهم عذبهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٠٧ ـ ٤٠٨﴾
وقال الفخر :


الصفحة التالية
Icon