قوله تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (١٥) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿وأما من أوتي﴾ أي بغاية السهولة وإن أبى هو ذلك ﴿كتابه﴾ أي صحيفة حسابه ﴿وراء ظهره﴾ أي في شماله إيتاء مستغرقاً لجميع جهة الوراء التي هي علم السوء لأنه كان يعمل ما لم يأذن به الله، فكأنه عمل من ورائه مما يظن أنه يخفى عليه سبحانه، فكان حقيقاً بأن تعل يمينه إلى عنقه، وتكون شماله إلى وراء ظهره، ويوضع كتابه فيها، وهذا احتباك : ذكر اليمين أولاً يدل على الشمال ثانياً، وذكر الوراء ثانياً يدل على الأمام أولاً، وسر ذلك أنه ذكر دليل المودة والرفق بالمصافحة ونحوها في السعيد، ودليل الغدر والاغتيال في الشقي ﴿فسوف يدعوا﴾ أي بوعد لا محالة في وقوعه أبداً ﴿ثبوراً﴾ أي حسرة وندماً بنحو قوله : واثبوراه، وهو الهلاك الجامع لأنواع المكاره كلها لأن أعماله في الدنيا كانت أعمال الهالكين.
ولما كان ذلك لا يكون إلا لبلاء كبير، أتبعه ما يمكن أن يكون علة له فقال :﴿ويصلى سعيراً﴾ أي ويغمس في النار التي هي في غاية الاتقاد ويقاسي حرها وهي عاطفة عليه ومحطية به لأنه كان تابعاً لشهواته التي هي محفوفة بها فأوصلته إليها وأحاطت به.


الصفحة التالية
Icon