قوله تعالى ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أشار ختم الآية قتالهم إن أصروا، وكان التقدير : فأقدموا عليهم حيثما عادوكم إقدام الليوث الجريئة غير هائبين كثرتهم ولا قوتهم فإن الله خاذلهم، عطف عليه قوله مصرحاً بالمقصود :﴿وقاتلوهم﴾ أي دائماً ﴿حتى لا تكون فتنة﴾ أي سبب يوجب ميلاً عن الدين أصلاً ﴿ويكون الدين ﴾.
ولما كانت هذه الوقعة قد سرت كتائب هيبتها في القلوب فوجبت أيما وجبت، فضاقت وضعفت صدور الكافرين، وانشرحت وقويت قلوب المؤمنين ؛ اقتضى هذا السياق التأكيد فقال :﴿كله لله﴾ أي الملك الأعظم خالصاً غير مشوب بنوع خوف أو إغضاء على قذى، وأصل الفتن : الخلطة المحيلة، ويلزم ذلك أن يكون السبب عظيماً لأن الشيء لا يحول عن حاله إلا لأمرعظيم لأن مخالفة المألوف عسرة، ومنه النتف، وكذا نفت القدر، وهو أن يغلي المرق فيلزق بجوانبها، والتنوفة : القفر، لأنه موضع ذلك، ويلزمه الإخلاص، من فتنت الذهب - إذا أذبته فتميز جيده من رديئه، وتارة يكون الميل إلى جهة الرديء وهو الأغلب، وتارة إلى الجيد، ومنه ﴿وفتناك فتوناً﴾ [ طه : ٤٠ ].