قوله تعالى ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨)﴾
فصل
قال البقاعى :
وجعل الحرالي ﴿صبغة الله﴾ أي هيئة صبغ الملك الأعلى التي هي حلية المسلم وفطرته كما أن الصبغة حلية المصبوغ حالاً تقاضاها معنى الكلام، وعاب على النحاة كونهم لا يعرفون الحال إلا من الكلم المفردة ولا يكادون يتفهمون الأحوال من جملة الكلام، وقال : الصيغة تطوير معاجل بسرعة وحيه، وقال : فلما كان هذا التلقين تلقيناً وحياً سريع التصيير من حال الضلال المبين الذي كانت فيه العرب في جاهليتها إلى حال الهدى المبين الذي كانت فيه الأنبياء في هدايتها من غير مدة جعله تعالى صبغة كما يصبغ الثوب في الوقت فيستحيل من لون إلى لون في مقابلة ما يصبغه أهل الكتاب بأتباعهم المتبعين لهم في أهوائهم في نحو الذي يسمونه الغِطاس ﴿ومن أحسن من الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿صبغة﴾ لأنها صبغة قلب لا تزول لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، وتلك صبغة جسم لا تنفع، وفيه إفهام بما يختص به الذين آمنوا من انقلاب جوهرهم نوراً، كما قال عليه الصلاة والسلام : اللهم اجعلني نوراً! فكان ما انقلب إليه جوهر الأئمة انصبغت به قلوب الأمة ﴿ونحن له﴾ أي خاصة ﴿عابدون﴾ تكملة لرد الخطاب على خطاب عهد إسرائيل حيث قال :
﴿ما تعبدون من بعدي﴾ [ البقرة : ١٣٣ ] إلا أن العبادة في عهد إسرائيل سابقة والإسلام حتم، والإسلام في هذا التلقين بدء لتقع العبادة شكراً - يختص برحمته من يشاء، وجاء به بالوصف الثابت الدائم ففيه إشعار بأن أحداً منهم لا يرتد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه، وهو حظ عام من العصمة الثابت خاصها للنبي ﷺ في عليِّ أمره - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٥٦ ـ ٢٥٧﴾