قوله تعالى ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان كونه من عند الله مع كونه حكيماً - موجباً لقبوله بادىء بدء والسرور به لما تقرر في العقول وجبلت عليه الفطر من أنه تعالى الخالق الرازق كاشف الضر ومدبر الأمر، كان ذلك موضع أن يقال : ما كان حال من تلي عليهم؟ فقيل : لم يؤمنوا، فقيل : ماشبهتهم؟ هل قدروا على معارضته والطعن في حكمته؟ فقيل : لا! بل تعجبوا من إنزاله على محمد ـ ﷺ ـ وليس بأكثرهم مالاً ولا بأقدمهم سناً، فرجع حاصل تعجبهم إلى ما قاله تعالى إنكاراً عليهم.
فإنه لو أرسل ذا سن قالوا مثل ذلك، وهل مثل ذلك محل العجب! ﴿أكان﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿للناس عجباً﴾ أي الذين فيهم أهلية التحرك إلى المعالي، والعجب : تغير النفس بما لا يعرف سببه مما خرج عن العادة ؛ ثم ذكر الحامل على العجب وهو اسم " كان " فقال بعد ما حصل لهم شوق إليه :﴿أن أوحينا﴾ أي ألقينا أوامرنا بما لنا من العظمة بواسطة رسلنا في خفاء منهين ﴿إلى رجل﴾ أي هو في غاية الرجولية، وهو مع ذلك ﴿منهم﴾ بحيث إنهم يعرفون جميع أمره كما فعلنا بمن قبلهم والملك العظيم المُلك المالك التام الملك لا اعتراض عليه فيما به تظهر خصوصيته من إعلاء من شاء.


الصفحة التالية